قرأ في تفصيل الكتاب المنزّل تعني قراءةً جديدةً يطّلِعُ بِها القارئُ على ما غُيِّبَ عنْهُ قبل الخطابِ بالقراءة، أما التلاوة فهي قراءةُ ما كانَ مُتاحًا تلاوَتُهُ للعامّةِ، فذلكم الفرق بين القراءة وبين التلاوة.
ولا يخفَى أنّ كُلًا مِن صاحب اليمين وصاحب الشِّـمالِ في يوم الحِسابِ يَقْرَأُ كِتَابًا لم يكُنْ مُتاحًا مِن قبلُ ولا مُطّلِعًا على ما فيه، ولو كان القرآنُ تنزَّلَ على بعضِ الأعْجَمين لقرأَهُ قراءة جديدَةً لا درايةَ له بها قبل قراءتِه، وحَرِصَ مُشْرِكُوا قُريْشٍ على تعجيز الرّسُولِ بالقرآن وبالنُّبُوّةِ محمد صلى الله عليه وعلى آلِه وسلّم فسألُوه آيَةَ أنْ يَرْقَى فِـي السماء ويأتِيَهُم بِكتابٍ يقْرأُونَهُ، ولا تَـخْفَى جِدَّةُ الْمقروء عليهم يومئذٍ.
ولا يزال المفسّرون والقراء والمحدّثون أُمِّيِّينَ لا يعلمون دلالة قولِه تعالى ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِـي شَكٍّ مِـمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾[يونس 94] ومِن المثاني معه قولُه تعالى ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِن رُسُلِنَا﴾[الزخرف 45] ومما يعني حرف يونس أنّ الذين يقرأون الكتابَ المنزَّلَ مِن قبلِ محمد صلّى اللهُ عليه وعلى ءاله وسلّم هم الرُّسُلُ إذْ ءَاتَى اللهُ كلًّا منهم الكتابَ أي أَنْزَلَه عليهِ فقرأه قراءةً جديدةً عليه وعلى مُعاصِريهِ، ومَنْ توهَّمَ أنّ نبيَّنا محمدا صلّى اللهُ عليه وسلّم لن يتمثَّلَ الخِطابَ في حرف الزخرف بسُؤالِ الرُّسُلِ قبلَهُ فإنّه لم يعْلَمْ بعدُ أنّ القرآنَ قَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُو بالْـهَزْلِ.
إنّ خطابَ النبيِّ الأمِّيِّ صلّى الله عليه وعلى ءالِهِ وسلّم أنْ يَقْرَأ باسم ربِّهِ الذِي خلقَ، وأنْ يَقْرَأ كَما أَقْرَأَهُ الْـمَلَكُ جِبْريلُ، وأن لا يتكلّفَ التكرار لأنّ اللهَ سيُقْرِئُهُ فلا ينْسَى إلا ما شاء اللهُ لدليلٌ على أنّ قراءتَهُ القرآن كانتْ بِكْرًا وأنّ القرآن لـمْ يكن مُتاحًا للقراءة قبلَ تنزُّلِه عليه.
وتنزَّلَ الخطابُ بالاستعاذة مِن الشيطان الرجيم قبل قراءة القرآن ويقتضي الوُجُوبَ يقينا إذ لم يُسْبَقْ بِنَهْيٍ كما هو خطاب الإباحَة كالخطاب بالصيدِ بعد الحِلِّ مِن شعائر الحج والعمرة ولا يقتضي غيرَ الإباحَةِ لورودِه بعد نهْيِ الْمُحْرِمِ عن الصيْدِ.
وكانتْ قراءةُ النبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم تدبُّرًا مَـحْضًا لِحِفْظِهِ ـ وهو يقرأ القرآنَ ـ بِـحِجَابٍ مَسْتُورٍ يحجزُ عنه لَغْوَ اللّاغِينَ.
ولا يزالُ القرآنُ العظيمُ يَعْظُمُ أَمامَ القارئين والباحِثينَ والمتدبِّرِينَ فكلّمَا علِمُوا مِنْهُ عِلْمًا أَوْ غَيْبًا تراءَى لَـهُم أَعظَمَ مِنْ مَبْلَغِ عِلْمِهم، وهو مُقتضَى قولِهِ تعالى ﴿عَلِمَ أَن لَنْ تُـحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾[المزمل 20] في وَصْفِ قُصُورِ الأمّةِ كلِّهَا أوّلِها وآخِرِها عن درايةِ جميع معانيه ودلالاتِهِ حتّـى يشهدَ ﴿مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾[آخر الرعد] أَنّ مُـحمدا صلّى الله عليه وسلّم مُرْسَلٌ مِن ربِّهِ بالقرآن، ويومئِذٍ سيسمَعُ الناسُ كلُّهم أجمعونَ سامِرًا بالقرآن، أما الْـمُتْرَفُونَ فيأخُذُهم العذابُ في الدنيا فيجْأَرونَ كما في سورة الفلاح، وعلى المؤمنين يومئِذٍ تمثُّلُ الخطاب كما في المثاني:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأعراف 204]
﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرآنُ لَا يَسْجُدُونَ﴾[الانشقاق 21]
من موسوعتي لتجديد أصول التفسير قسم معاني المثاني مادة "قرأ" باختصار
الحسن ولد ماديك
قرأ في تفصيل الكتاب المنزّل تعني قراءةً جديدةً يطّلِعُ بِها القارئُ على ما غُيِّبَ عنْهُ قبل الخطابِ بالقراءة، أما التلاوة فهي قراءةُ ما كانَ مُتاحًا تلاوَتُهُ للعامّةِ، فذلكم الفرق بين القراءة وبين التلاوة. ولا يخفَى أنّ كُلًا مِن صاحب اليمين وصاحب الشِّـمالِ في يوم الحِسابِ يَقْرَأُ كِتَابًا لم يكُنْ مُتاحًا مِن قبلُ ولا مُطّلِعًا على ما فيه، ولو كان القرآنُ تنزَّلَ على بعضِ الأعْجَمين لقرأَهُ قراءة جديدَةً لا درايةَ له بها قبل قراءتِه، وحَرِصَ مُشْرِكُوا قُريْشٍ على تعجيز الرّسُولِ بالقرآن وبالنُّبُوّةِ محمد صلى الله عليه وعلى آلِه وسلّم فسألُوه آيَةَ أنْ يَرْقَى فِـي السماء ويأتِيَهُم بِكتابٍ يقْرأُونَهُ، ولا تَـخْفَى جِدَّةُ الْمقروء عليهم يومئذٍ. ولا يزال المفسّرون والقراء والمحدّثون أُمِّيِّينَ لا يعلمون دلالة قولِه تعالى ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِـي شَكٍّ مِـمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾[يونس 94] ومِن المثاني معه قولُه تعالى ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِن رُسُلِنَا﴾[الزخرف 45] ومما يعني حرف يونس أنّ الذين يقرأون الكتابَ المنزَّلَ مِن قبلِ محمد صلّى اللهُ عليه وعلى ءاله وسلّم هم الرُّسُلُ إذْ ءَاتَى اللهُ كلًّا منهم الكتابَ أي أَنْزَلَه عليهِ فقرأه قراءةً جديدةً عليه وعلى مُعاصِريهِ، ومَنْ توهَّمَ أنّ نبيَّنا محمدا صلّى اللهُ عليه وسلّم لن يتمثَّلَ الخِطابَ في حرف الزخرف بسُؤالِ الرُّسُلِ قبلَهُ فإنّه لم يعْلَمْ بعدُ أنّ القرآنَ قَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُو بالْـهَزْلِ. إنّ خطابَ النبيِّ الأمِّيِّ صلّى الله عليه وعلى ءالِهِ وسلّم أنْ يَقْرَأ باسم ربِّهِ الذِي خلقَ، وأنْ يَقْرَأ كَما أَقْرَأَهُ الْـمَلَكُ جِبْريلُ، وأن لا يتكلّفَ التكرار لأنّ اللهَ سيُقْرِئُهُ فلا ينْسَى إلا ما شاء اللهُ لدليلٌ على أنّ قراءتَهُ القرآن كانتْ بِكْرًا وأنّ القرآن لـمْ يكن مُتاحًا للقراءة قبلَ تنزُّلِه عليه. وتنزَّلَ الخطابُ بالاستعاذة مِن الشيطان الرجيم قبل قراءة القرآن ويقتضي الوُجُوبَ يقينا إذ لم يُسْبَقْ بِنَهْيٍ كما هو خطاب الإباحَة كالخطاب بالصيدِ بعد الحِلِّ مِن شعائر الحج والعمرة ولا يقتضي غيرَ الإباحَةِ لورودِه بعد نهْيِ الْمُحْرِمِ عن الصيْدِ. وكانتْ قراءةُ النبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم تدبُّرًا مَـحْضًا لِحِفْظِهِ ـ وهو يقرأ القرآنَ ـ بِـحِجَابٍ مَسْتُورٍ يحجزُ عنه لَغْوَ اللّاغِينَ. ولا يزالُ القرآنُ العظيمُ يَعْظُمُ أَمامَ القارئين والباحِثينَ والمتدبِّرِينَ فكلّمَا علِمُوا مِنْهُ عِلْمًا أَوْ غَيْبًا تراءَى لَـهُم أَعظَمَ مِنْ مَبْلَغِ عِلْمِهم، وهو مُقتضَى قولِهِ تعالى ﴿عَلِمَ أَن لَنْ تُـحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾[المزمل 20] في وَصْفِ قُصُورِ الأمّةِ كلِّهَا أوّلِها وآخِرِها عن درايةِ جميع معانيه ودلالاتِهِ حتّـى يشهدَ ﴿مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾[آخر الرعد] أَنّ مُـحمدا صلّى الله عليه وسلّم مُرْسَلٌ مِن ربِّهِ بالقرآن، ويومئِذٍ سيسمَعُ الناسُ كلُّهم أجمعونَ سامِرًا بالقرآن، أما الْـمُتْرَفُونَ فيأخُذُهم العذابُ في الدنيا فيجْأَرونَ كما في سورة الفلاح، وعلى المؤمنين يومئِذٍ تمثُّلُ الخطاب كما في المثاني: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأعراف 204] ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرآنُ لَا يَسْجُدُونَ﴾[الانشقاق 21] من موسوعتي لتجديد أصول التفسير قسم معاني المثاني مادة "قرأ" باختصار الحسن ولد ماديك
0 التعليقات 0 نشر