المِثْل ـ بكسر الميم وإسكان المثلثة ـ في تفصيل الكتاب المنزّل ليس هو عين الشيء وإنما على شاكلته ونحوه ووصفه بل قد يتأخر الْمِثْل عن مُـماثله تأخرا معلوما في الزمن ويختلف عنه في المكان.
ولا يخفى في حرف الممتحنة تكليف الجماعة المسلمة أن يُؤتُوا مَن رغبت عنه منهم زوجتُه إلى الكفار من المال مِثْلَ ما أنفق عليها يعني مهرَها ولا يعني تكليفَهم أن يجمعوا له المهر السابق ذاتَه مما أُكِل وتَلَف وفُرِّق بين الناس.


وقد مسّ الذين آمنوا في غزوة أحُد قَرْحٌ مِثْلُ الذي مسّ المشركين في غزوة بدر، وليس هو نفسَ القَرْح.
وكانت الرسُل مِن الناسِ بَشَرا مِثْلَ الْمُرسَل إليهم ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِـمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِـمَّا تَشْرَبُونَ﴾[قد أفلح 33]، ويعني قوله ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُـجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾[الأنعام 160] أنّ جزاءَه في يوم الدِّينِ بالحِرْمان مِن المغفرة والرحمة مِثْلُ عِصيانِه في الدنيا غيرَ مُشْفِقٍ من الْـحِساب والعِقاب.
ولقد تضمّن تفصيل الكتاب المنزّل في هذا السياق ثلاث كلِّيَّاتٍ من أصول الاعتقاد وأعرضت عنها المكتبة الإسلامية العريضة:


إحداها: أنّ الإغراق الذي أزهق اللهُ به قوم نوح وءال فرعون وكذا الريح العقيم والصاعقة والصيحة وعذاب يوم الظلة والحاصب والخسف الذي عذّب اللهُ به عادا وثمود وقوم لوط ومدين وأصحاب الأيكة سيأتي مِثْلُهُ على المكذّبين في آخر الأمة لنفاذ الوعد كما في سورة القتال أن للكافرين في هذه الأمة أمثال ما دّمّر الله به الأولين.


وثانيها: أن المكذِّبين تنزُّلَ القرآنِ من عِند اللهِ لن يأتُوا بـمِثْلِ القرآن أي لنْ يتنزَّلَ عليهم من الله كتاب أو سورة تُصدِّقُ زَعمَهم وكذلك دلالة المثاني في سور الطور والإسراء وهود ويونس والبقرة أنهم لن يأتوا بمِثل القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.


إن العجز الذي سيصيب الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن ولو ظاهر بعضهم بعضا وأعانه لا يعني عجزهم عن الإتيان بمثل أسلوبه ونظمه وفصاحته وبلاغته بل هو عجزهم عن الإتيان بكتاب من عند الله يصدّق دعواهم أن القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو مفترى من دون الله.


إنّ الْمُفتريَ على الله أنه أرسله بآياتٍ خارقةٍ للتخويف والقضاء كما أرسل بها موسى إلى فرعون والْمُفتريَ على الله أنه أنزل عليه كتابا كلاهما مفضوح في الدنيا معذّب فيها كما هي دلالة قوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾[هود 35] ومن المثاني معه في قوله ﴿وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾[غافر 40] وقوله ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾[الحاقة 44 ـ 47] أي سيفتضح ويعذّب في الدنيا بإجرام الافتراء على الله، وكذلك دلالة قول رجل مؤمن من آل فرعون على أن موسى إنْ يكُ كاذبا على الله فلن يحتاجوا إلى قتْله بل سيؤاخذه الله في الدنيا بكذِبِه.


وثالثها: أنّ تنزُّلَ بيان الفواتح وَعْدٌ من الله لا يزال غيبا كما في المثاني:
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[الأحقاف 10]


﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا ءَامَنْتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾[البقرة 137]ويعني أن الله سيُحدثُ للبشرية ذِكْرا بعد نزول القرآن كما هو صريح الوعد الحق في المثاني:
﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾[طــه 113]﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِم مُـحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾[الأنبياء 2]﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾[الشعراء 5]


إن ذلكم الذكرَ الْـمُحْدَثَ من ربِّنا هو صحُفٌ مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة موصوفة في سورتَـيِ عبس والبيّنة وهو الوعد بالبيان في قوله تعالى ﴿ثُمَّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾[القيامة 19]، ولا تسلْ عن خَرَقِ دعوى أن ركام التفاسير هو بيان القرآن الموعود من الله، بل بيان الفواتحِ المنزّلُ من عند اللهِ هو الذي يقع عليه الوصف بأنه مِثْلُ القرآن وسيؤمن به شاهد من بني إسراءيل وهو عيسى، وستتاح الفرصة للذين يزعمون اتباع التوراة والإنجيل ليؤمنوا بِـمِثْل القرآن يوم تتنزل الصحف المكرمة وعددها تسعة عشر كل صحيفة بيد أحد خزنة جهنم ليؤمنوا بِـمِثْلِ ما ءامَن به النبي الأمِّيّ صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم وصحابته الكرام أي بالذكر الْمُحدَث من ربنا، وذلكم الفرق بين حرفي الأحقاف والبقرة وبين قولنا (وشهد شاهد من بني إسراءيل عليه) أي على القرآن، وقولنا (فإن آمنوا بِـما آمنتم به).
من موسوعتي لتجديد أصول التفسير قسم معاني المثاني مادة [مِثْل]
المِثْل ـ بكسر الميم وإسكان المثلثة ـ في تفصيل الكتاب المنزّل ليس هو عين الشيء وإنما على شاكلته ونحوه ووصفه بل قد يتأخر الْمِثْل عن مُـماثله تأخرا معلوما في الزمن ويختلف عنه في المكان. ولا يخفى في حرف الممتحنة تكليف الجماعة المسلمة أن يُؤتُوا مَن رغبت عنه منهم زوجتُه إلى الكفار من المال مِثْلَ ما أنفق عليها يعني مهرَها ولا يعني تكليفَهم أن يجمعوا له المهر السابق ذاتَه مما أُكِل وتَلَف وفُرِّق بين الناس. وقد مسّ الذين آمنوا في غزوة أحُد قَرْحٌ مِثْلُ الذي مسّ المشركين في غزوة بدر، وليس هو نفسَ القَرْح. وكانت الرسُل مِن الناسِ بَشَرا مِثْلَ الْمُرسَل إليهم ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِـمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِـمَّا تَشْرَبُونَ﴾[قد أفلح 33]، ويعني قوله ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُـجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾[الأنعام 160] أنّ جزاءَه في يوم الدِّينِ بالحِرْمان مِن المغفرة والرحمة مِثْلُ عِصيانِه في الدنيا غيرَ مُشْفِقٍ من الْـحِساب والعِقاب. ولقد تضمّن تفصيل الكتاب المنزّل في هذا السياق ثلاث كلِّيَّاتٍ من أصول الاعتقاد وأعرضت عنها المكتبة الإسلامية العريضة: إحداها: أنّ الإغراق الذي أزهق اللهُ به قوم نوح وءال فرعون وكذا الريح العقيم والصاعقة والصيحة وعذاب يوم الظلة والحاصب والخسف الذي عذّب اللهُ به عادا وثمود وقوم لوط ومدين وأصحاب الأيكة سيأتي مِثْلُهُ على المكذّبين في آخر الأمة لنفاذ الوعد كما في سورة القتال أن للكافرين في هذه الأمة أمثال ما دّمّر الله به الأولين. وثانيها: أن المكذِّبين تنزُّلَ القرآنِ من عِند اللهِ لن يأتُوا بـمِثْلِ القرآن أي لنْ يتنزَّلَ عليهم من الله كتاب أو سورة تُصدِّقُ زَعمَهم وكذلك دلالة المثاني في سور الطور والإسراء وهود ويونس والبقرة أنهم لن يأتوا بمِثل القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. إن العجز الذي سيصيب الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن ولو ظاهر بعضهم بعضا وأعانه لا يعني عجزهم عن الإتيان بمثل أسلوبه ونظمه وفصاحته وبلاغته بل هو عجزهم عن الإتيان بكتاب من عند الله يصدّق دعواهم أن القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو مفترى من دون الله. إنّ الْمُفتريَ على الله أنه أرسله بآياتٍ خارقةٍ للتخويف والقضاء كما أرسل بها موسى إلى فرعون والْمُفتريَ على الله أنه أنزل عليه كتابا كلاهما مفضوح في الدنيا معذّب فيها كما هي دلالة قوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾[هود 35] ومن المثاني معه في قوله ﴿وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾[غافر 40] وقوله ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾[الحاقة 44 ـ 47] أي سيفتضح ويعذّب في الدنيا بإجرام الافتراء على الله، وكذلك دلالة قول رجل مؤمن من آل فرعون على أن موسى إنْ يكُ كاذبا على الله فلن يحتاجوا إلى قتْله بل سيؤاخذه الله في الدنيا بكذِبِه. وثالثها: أنّ تنزُّلَ بيان الفواتح وَعْدٌ من الله لا يزال غيبا كما في المثاني: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[الأحقاف 10] ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا ءَامَنْتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾[البقرة 137]ويعني أن الله سيُحدثُ للبشرية ذِكْرا بعد نزول القرآن كما هو صريح الوعد الحق في المثاني: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾[طــه 113]﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِم مُـحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾[الأنبياء 2]﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾[الشعراء 5] إن ذلكم الذكرَ الْـمُحْدَثَ من ربِّنا هو صحُفٌ مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة موصوفة في سورتَـيِ عبس والبيّنة وهو الوعد بالبيان في قوله تعالى ﴿ثُمَّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾[القيامة 19]، ولا تسلْ عن خَرَقِ دعوى أن ركام التفاسير هو بيان القرآن الموعود من الله، بل بيان الفواتحِ المنزّلُ من عند اللهِ هو الذي يقع عليه الوصف بأنه مِثْلُ القرآن وسيؤمن به شاهد من بني إسراءيل وهو عيسى، وستتاح الفرصة للذين يزعمون اتباع التوراة والإنجيل ليؤمنوا بِـمِثْل القرآن يوم تتنزل الصحف المكرمة وعددها تسعة عشر كل صحيفة بيد أحد خزنة جهنم ليؤمنوا بِـمِثْلِ ما ءامَن به النبي الأمِّيّ صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم وصحابته الكرام أي بالذكر الْمُحدَث من ربنا، وذلكم الفرق بين حرفي الأحقاف والبقرة وبين قولنا (وشهد شاهد من بني إسراءيل عليه) أي على القرآن، وقولنا (فإن آمنوا بِـما آمنتم به). من موسوعتي لتجديد أصول التفسير قسم معاني المثاني مادة [مِثْل]
1
0 التعليقات 0 نشر