• قال ابن عباس في تفسير قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾، هذه حياة الكافر؛ لأنه يكون فيها في غرور وباطل، وأما حياة المؤمن فتنطوي على أعمال صالحة، فلا تكون لهوًا ولا لعبًا
    قال ابن عباس في تفسير قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾، هذه حياة الكافر؛ لأنه يكون فيها في غرور وباطل، وأما حياة المؤمن فتنطوي على أعمال صالحة، فلا تكون لهوًا ولا لعبًا
    0 التعليقات 0 نشر
  • حماس تسلم ردها على مقترح الهدنة لمصر وقطر
    حماك
    بالتزامن مع التصعيد المتواصل بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، على خلفية هجوم الاحتلال على القنصلية الإيرانية في دمشق، قبل قرابة أسبوعين، تستمر المساعي الدولية لإتمام اتفاق جديد لتبادل الأسرى، بين حركة حماس والاحتلال، وهو ما ثبت تعذّره خلال الأشهر التالية لانهيار الهدنة الأولى؛ بسبب إصرار الجانب الإسرائيلي على رفض شروط حماس، وعلى رأسها إنهاء العدوان على غزة بالكامل، والانسحاب من القطاع، والسماح للنازحين بالعودة إلى الشمال.
    وبعد الجولة الأخيرة للمفاوضات التي استضافتها مصر، أعلنت حركة حماس، اليوم السبت، تسليم ردها النهائي على المقترح الأخير لاتفاق الهدنة، حيث قالت في بيان: "سلَّمت حركة حماس قبل قليل للإخوة الوسطاء في مصر وقطر، ردَّها على المقترح الذي تسلَّمته يوم الاثنين الماضي".
    وأضافت الحركة "نؤكّد في حركة حماس مجدداً على تمسكنا بمطالبنا ومطالب شعبنا الوطنية بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال من كامل قطاع غزة، وعودة النازحين إلى مناطقهم وأماكن سكناهم، وتكثيف دخول الإغاثة والمساعدات والبدء بالإعمار".
    وكانت القناة الـ 12 العبرية قد أفادت بأن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، تعمّد إفشال الجولات السابقة لمفاوضات الهدنة، من خلال فرض شروط مجحفة أو رفض طلبات هامة لحماس.
    حماس تسلم ردها على مقترح الهدنة لمصر وقطر حماك بالتزامن مع التصعيد المتواصل بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، على خلفية هجوم الاحتلال على القنصلية الإيرانية في دمشق، قبل قرابة أسبوعين، تستمر المساعي الدولية لإتمام اتفاق جديد لتبادل الأسرى، بين حركة حماس والاحتلال، وهو ما ثبت تعذّره خلال الأشهر التالية لانهيار الهدنة الأولى؛ بسبب إصرار الجانب الإسرائيلي على رفض شروط حماس، وعلى رأسها إنهاء العدوان على غزة بالكامل، والانسحاب من القطاع، والسماح للنازحين بالعودة إلى الشمال. وبعد الجولة الأخيرة للمفاوضات التي استضافتها مصر، أعلنت حركة حماس، اليوم السبت، تسليم ردها النهائي على المقترح الأخير لاتفاق الهدنة، حيث قالت في بيان: "سلَّمت حركة حماس قبل قليل للإخوة الوسطاء في مصر وقطر، ردَّها على المقترح الذي تسلَّمته يوم الاثنين الماضي". وأضافت الحركة "نؤكّد في حركة حماس مجدداً على تمسكنا بمطالبنا ومطالب شعبنا الوطنية بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال من كامل قطاع غزة، وعودة النازحين إلى مناطقهم وأماكن سكناهم، وتكثيف دخول الإغاثة والمساعدات والبدء بالإعمار". وكانت القناة الـ 12 العبرية قد أفادت بأن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، تعمّد إفشال الجولات السابقة لمفاوضات الهدنة، من خلال فرض شروط مجحفة أو رفض طلبات هامة لحماس.
    1
    0 التعليقات 0 نشر
  • قال ابن رجب رحمه الله: " وأما الشوق إِلَى لقاء اللَّه في الدُّنْيَا فهو أعظم لذّة تحصل للعارفين في الدُّنْيَا، فمن أنس باللَّه في الدُّنْيَا واشتاق إِلَى لقائه، فقد فاز بأعظم لذّة يمكن لبشر الوصول إليها في هذه الدار. كان أبو الدرداء يقول: أَحَبّ الموت اشتياقًا إِلَى ربي عز وجل.
    قال ابن رجب رحمه الله: " وأما الشوق إِلَى لقاء اللَّه في الدُّنْيَا فهو أعظم لذّة تحصل للعارفين في الدُّنْيَا، فمن أنس باللَّه في الدُّنْيَا واشتاق إِلَى لقائه، فقد فاز بأعظم لذّة يمكن لبشر الوصول إليها في هذه الدار. كان أبو الدرداء يقول: أَحَبّ الموت اشتياقًا إِلَى ربي عز وجل.
    1
    0 التعليقات 0 نشر
  • حذرت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، من أن شن هجوم عسكري إسرائيلي على مدينة رفح في جنوب قطاع غزة سيتسبب في "كارثة لا يمكن تصورها" ويزج بالنظام الصحي في القطاع ليقترب أكثر من حافة الهاوية.
    وقال ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة والضفة الغربية إن "العمليات العسكرية في هذه المنطقة، هذه المنطقة المكتظة، ستكون بالطبع كارثة لا يمكن تصورها.. بل وستزيد من حجم الكارثة الإنسانية إلى ما هو أبعد من الخيال".
    وتكدس أكثر من مليون فلسطيني في رفح عند الطرف الجنوبي من قطاع غزة على الحدود مع مصر، حيث يعيش الكثيرون في مخيمات وأماكن إيواء مؤقتة بعد الفرار من القصف الإسرائيلي في أماكن أخرى من غزة.
    ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يريد إخراج المسلحين الفلسطينيين من مخابئهم في رفح وتحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين هناك منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، لكنه لم يقدم تفاصيل عن خطة مقترحة لإجلاء المدنيين.
    وقالت الأمم المتحدة إن أي هجوم إسرائيلي في رفح يمكن أن "يؤدي إلى مذبحة".
    وذكر بيبركورن: "سيؤدي ذلك أيضا إلى زيادة العبء على نظام صحي مثقل تماما... ويزيد من عبء الصدمات وسيزج بالنظام الصحي ليقترب أكثر من حافة الهاوية".

    حذرت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، من أن شن هجوم عسكري إسرائيلي على مدينة رفح في جنوب قطاع غزة سيتسبب في "كارثة لا يمكن تصورها" ويزج بالنظام الصحي في القطاع ليقترب أكثر من حافة الهاوية. وقال ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة والضفة الغربية إن "العمليات العسكرية في هذه المنطقة، هذه المنطقة المكتظة، ستكون بالطبع كارثة لا يمكن تصورها.. بل وستزيد من حجم الكارثة الإنسانية إلى ما هو أبعد من الخيال". وتكدس أكثر من مليون فلسطيني في رفح عند الطرف الجنوبي من قطاع غزة على الحدود مع مصر، حيث يعيش الكثيرون في مخيمات وأماكن إيواء مؤقتة بعد الفرار من القصف الإسرائيلي في أماكن أخرى من غزة. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يريد إخراج المسلحين الفلسطينيين من مخابئهم في رفح وتحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين هناك منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، لكنه لم يقدم تفاصيل عن خطة مقترحة لإجلاء المدنيين. وقالت الأمم المتحدة إن أي هجوم إسرائيلي في رفح يمكن أن "يؤدي إلى مذبحة". وذكر بيبركورن: "سيؤدي ذلك أيضا إلى زيادة العبء على نظام صحي مثقل تماما... ويزيد من عبء الصدمات وسيزج بالنظام الصحي ليقترب أكثر من حافة الهاوية".
    0 التعليقات 0 نشر
  • أكد نادي الأسير الفلسطيني، تصاعد عمليات الإعدامات الميدانية والاختفاء القسري بحق المعتقلين، في ضوء استمرار الحرب على قطاع غزة لليوم الـ117 على التوالي.
    وقال نادي الأسير في بيان له اليوم الأربعاء، إنه تم العثور على جثامين 30 شخصا داخل إحدى المدارس التي كان يحاصرها الجيش الإسرائيلي في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين.
    وأشار البيان إلى "تصاعد شهادات المعتقلين الذين أفرج عنهم على مدار الفترة الماضية، حول عمليات التعذيب والتنكيل والإذلال، بما فيها شهادات لنساء وأطفال".
    وشدد على أن "إصرار الاحتلال على إبقاء معتقلي غزة رهن الإخفاء القسري، يحمل تفسيرا واحدا، هو أن هناك قرارا بالاستفراد بهم، بهدف تنفيذ المزيد من الجرائم بحقهم بالخفاء".
    ونوه نادي الأسير إلى أن "الاحتلال يرفض تزويد المؤسسات الحقوقية بما فيها الدولية والفلسطينية المختصة بأي معطى بشأن مصيرهم وأماكن احتجازهم حتى اليوم، بمن فيهم الشهداء من معتقلي غزة".
    إلى ذلك، أعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي والعمليات البرية في القطاع إلى 26900 قتيلا و65949 مصابا، منذ بدء الحرب بين إسرائيل و"حماس" في السابع من أكتوبر.
    فيما أعلن الجيش الإسرائيلي ارتفاع عدد قتلاه إلى 560 جنديا والمصابين إلى 2797.
    أكد نادي الأسير الفلسطيني، تصاعد عمليات الإعدامات الميدانية والاختفاء القسري بحق المعتقلين، في ضوء استمرار الحرب على قطاع غزة لليوم الـ117 على التوالي. وقال نادي الأسير في بيان له اليوم الأربعاء، إنه تم العثور على جثامين 30 شخصا داخل إحدى المدارس التي كان يحاصرها الجيش الإسرائيلي في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين. وأشار البيان إلى "تصاعد شهادات المعتقلين الذين أفرج عنهم على مدار الفترة الماضية، حول عمليات التعذيب والتنكيل والإذلال، بما فيها شهادات لنساء وأطفال". وشدد على أن "إصرار الاحتلال على إبقاء معتقلي غزة رهن الإخفاء القسري، يحمل تفسيرا واحدا، هو أن هناك قرارا بالاستفراد بهم، بهدف تنفيذ المزيد من الجرائم بحقهم بالخفاء". ونوه نادي الأسير إلى أن "الاحتلال يرفض تزويد المؤسسات الحقوقية بما فيها الدولية والفلسطينية المختصة بأي معطى بشأن مصيرهم وأماكن احتجازهم حتى اليوم، بمن فيهم الشهداء من معتقلي غزة". إلى ذلك، أعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي والعمليات البرية في القطاع إلى 26900 قتيلا و65949 مصابا، منذ بدء الحرب بين إسرائيل و"حماس" في السابع من أكتوبر. فيما أعلن الجيش الإسرائيلي ارتفاع عدد قتلاه إلى 560 جنديا والمصابين إلى 2797.
    0 التعليقات 0 نشر
  • ظهر فساد النظام العسكري الموريتاني في البر والبحر وتجرع الشعب الطيب المسالم من الظلم والبغي والكبت والحرمان والتهميش ونهب المال العمومي وتعطيل الموارد وتأمين المفسدين ما لا يسيغه وأكثر من طاقته، ولا أمل في انتخابات كاذبة خاطئة، وإنما الأمل في انتظار نفاذ الوعد الحق:
    "فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
    خطته يمين/ الحسن ولد ماديك
    ظهر فساد النظام العسكري الموريتاني في البر والبحر وتجرع الشعب الطيب المسالم من الظلم والبغي والكبت والحرمان والتهميش ونهب المال العمومي وتعطيل الموارد وتأمين المفسدين ما لا يسيغه وأكثر من طاقته، ولا أمل في انتخابات كاذبة خاطئة، وإنما الأمل في انتظار نفاذ الوعد الحق: "فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". خطته يمين/ الحسن ولد ماديك
    2
    0 التعليقات 0 نشر
  • في تفصيل الكتاب المنزل لم يوصف قتال بأنه في سبيل إلا قتال أنفذه نبي أو رسول على معاصريه.
    وأما قتال الدفع فجائز أو واجب على المسلمين لحماية العامة فإن زاد القرح به كان قادته شركاء في الدماء والإفساد.
    وعجبي من قادة يعرّضون مئات الآلاف أكثرهم رضع وأطفال للتلف والتهجير ويدغدغون مشاعر الإنسانيةفي العدو.
    الحسن ولد ماديك
    في تفصيل الكتاب المنزل لم يوصف قتال بأنه في سبيل إلا قتال أنفذه نبي أو رسول على معاصريه. وأما قتال الدفع فجائز أو واجب على المسلمين لحماية العامة فإن زاد القرح به كان قادته شركاء في الدماء والإفساد. وعجبي من قادة يعرّضون مئات الآلاف أكثرهم رضع وأطفال للتلف والتهجير ويدغدغون مشاعر الإنسانيةفي العدو. الحسن ولد ماديك
    0 التعليقات 0 نشر
  • من أخطر وأبرز القضايا التي بدأت تنتشر مؤخراً قضية ابتزاز الفتيات بصورهن الشخصية و هذه القضايا تكون الفتاة هي الضحية وفي الوقت نفسه هي المسؤولة الوحيدة عن وقوعها بهذه المصيدة بسبب التهاون في حفظها لصورها في أجهزة الكمبيوتر أو إرسالها لشخص احببته وارتبطت معه . ومن أكثر قضايا الابتزاز التي تمارس على الفتيات, تحديداً الابتزاز بالمكالمات المسجلة والرسائل إلى جانب الصور إلا أنه يتم اللجوء إلى ذلك في حال إنهاء الفتاة العلاقة نتيجة لتوبة الفتاة والندم على ما مضى أو لارتباطها بالزواج من رجل آخر.. وتخوفاً من الفضيحة وأمام الضغط النفسي الذي يمارس عليها وللأسف أن كثيراً من الفتيات ينصعن ويستجبن للتهديدات.
    ما مخاطر هذه الظاهرة؟ وما أسبابها؟ وما الحلول التي يمكن وضعها للقضاء على هذه الظاهرة ؟
    من أخطر وأبرز القضايا التي بدأت تنتشر مؤخراً قضية ابتزاز الفتيات بصورهن الشخصية و هذه القضايا تكون الفتاة هي الضحية وفي الوقت نفسه هي المسؤولة الوحيدة عن وقوعها بهذه المصيدة بسبب التهاون في حفظها لصورها في أجهزة الكمبيوتر أو إرسالها لشخص احببته وارتبطت معه . ومن أكثر قضايا الابتزاز التي تمارس على الفتيات, تحديداً الابتزاز بالمكالمات المسجلة والرسائل إلى جانب الصور إلا أنه يتم اللجوء إلى ذلك في حال إنهاء الفتاة العلاقة نتيجة لتوبة الفتاة والندم على ما مضى أو لارتباطها بالزواج من رجل آخر.. وتخوفاً من الفضيحة وأمام الضغط النفسي الذي يمارس عليها وللأسف أن كثيراً من الفتيات ينصعن ويستجبن للتهديدات. ما مخاطر هذه الظاهرة؟ وما أسبابها؟ وما الحلول التي يمكن وضعها للقضاء على هذه الظاهرة ؟
    3
    0 التعليقات 0 نشر
  • الكلية الثالثة: الفرق بين النبوة والرسالة
    النبوّة في تفصيل الكتاب المنزّل ـ عند إطلاقِها ـ هي الإخبارُ باليقينِ من العلم الغائب عنك كما في قوله ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَـمْ تَسْتَطِع عَلَيْهِ صَبْرًا﴾[الكهف 78]، أو بما كان من الحوادث التي غابتْ عنك فلم تحضرْها سواء كانت ماضية كقوله ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾[الحجر 51]، أو معاصرة كقوله ﴿فَقَالَ أَحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تُـحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾[النمل 22]، أو بما ستؤول إليه الحوادثُ كما ستقع مستقبلا كقوله ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَـمَسُّهُم مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾[هود 49]، وقوله ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾[سورة ص 67 ـ 68].
    وإنه في يوم الدِّين يُنبَّأُ الإنسانُ بما قدّم وأخّر، ويُنبَّأُ الناسُ بما عملوا وبما كانوا يصنعون وبما كانوا فيه يختلفون وإليه أمرهم فينبئهم بما كانوا يفعلون.
    ولا كرامة في هذه النبوَّة إذ هي بإحضار عمل ِالإنسان المنبَّإ به فيُعرض عليه لِيراه جهرة كما في قوله ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾[التكوير 14] وقوله ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾[الانفطار 5] ولا عِلْمَ قبل تمكُّنِ البصر من المعلوم كما في قوله ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْـمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾[النبأ 40] وقوله ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَـهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ﴾[البقرة 167] وقوله ﴿يَوْمَ تَـجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُـحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾[آل عمران 30] والمعنى أنه محضر كذلك وقوله ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[الكهف 49].
    إن قوله ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾[الانفطار 5] لمن المثاني مع قوله ﴿إِنَّا نَـحْنُ نُـحْيِـي الْـمَوْتَـى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ﴾[يس 12] وقوله ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[النحل 25] وقوله ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَـهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِـهِمْ﴾[العنكبوت 13] إذِ الذي قدّموه هو ما عمِلوا في حياتهم والذي أخّروه هو الأثَر الذي تركوه خلْفَهم ومنه الأشرطة المسموعة والمرئية فإن كان سيئا كان من أوزار الذين يُضِلُّونهم بغير عِلْم ومن الأثقال مع أثقالهم.
    وكذلك يُنَبَّأ ابنُ آدم إذا مات ودخل البرزَخ إذِ يُعرَضُ عليه قبل البعث مقعدُه غداةً وعشيًّا كما في صحيح البخاري في حديث ابن عمر المرفوع.
    وجميع أهل الجنة يُنَبِّئُهم اللهُ فيَعرِض عليهم وهم على سررهم ما يشاءون كما قوله ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُم مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِـي سَوَاءِ الْـجَحِيمِ﴾[الصفات 54 ـ 55]
    وأهل النار كذلك يُنبَّأون كما في قوله ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَـهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا بِـخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾[البقرة 167] يعني تُعرض عليهم أعمالهم التي قدّموها في الدنيا ودخلوا بها النار ليزدادوا حسرة وقنوطا من الفَرَج والرحمة.
    إن اللهَ نبّأ مُـحمّدا صلى الله عليه وسلم بما سيكون في أمته فعرضَه عليه عرْضا ورأى رجال ونساء أمته حسب أعمالهم ودرجاتهم على نسق ما يُنبِّئ اللهُ به كل إنسان في يوم الدِّين والحساب بما قدَّم وأخَّر من أعماله.
    ولا تسَلْ عن اليقين من العلم الحاصل للإنسان المنبَّإِ في يوم الدِّينِ ولا للنَّبِـيّ في الدُّنيا لأن اللهَ يُرِي النبِـيَّ ذلك العرْضَ يقظةً بأم عينيه في الدنيا كما في الأحاديث النبوية المتواترة ومنها:
    ـ (هل ترون ما أرى إني أرى الفتنَ تقع خلال بيوتكم مواقع القَطْر) [متفق عليه]
    ـ (عُرِضت عليَّ الجنة والنار آنفا في عَرْض هذا الحائط فلم أرَ كالخير والشر) [صحيح البخاري] كتاب مواقيت الصلاة باب وقت صلاة الظهر بعد الزوال.
    وإن النُّبُوَّة المقيدة بالعلم كما في قوله ﴿نَبِّئُونِـي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[الأنعام 143] لتعني أحدَ أمرين:
    أولا: الإخبار والعرض يقظة وهو ما اختصّ به النبيُّون.
    ثانيا: الإخبار بالكتاب الذي جاء به النبيُّون وهو العلم.
    ويعني أن الله دعا المشركين الذين حرّموا من ثمانية أزواج الأنعام ما لم يأذن به اللهُ أن يُنبِّئوا النّبِـيَّ الأُمِّيَّ صلّى الله عليه وعلى ءالِه وسلم بعِلْمٍ أي يَعرِضوا عليه ساعةَ نزل عليهم لأول مرة من الله تحريمُ البَحيرة والسّائبة والوصيلة والحامِي أو يأتوا بكتاب من عند الله نزل فيه تحريمُ ما زعموا، وهو الدليل القوي لو استطاعوه.
    فالنبوةُ بعِلْمٍ بمعنَـى عَرْضِ الغيْبِ الْـمُنَبَّإِ بِهِ يقظةً على الْـمُنَبَّإِ هي ما اختصّ به النبيُّون وهي أخصُّ من قوله ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْـمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُـحْتَضَرٌ﴾[القمر 28] أي أخبرهم بِـحُكْمِ اللهِ فيه ولم يسبق إليهم عِلْمٌ به.
    إن التقدم العلمي اليوم لم يبلغ بعضَ ما عُرِضَ على النبيّ الأميّ صلّى اللهُ عليه وعلى ءالِه وسلم ومنه أنْ عُرِضَ عليه مِن الحوادِثِ الغابِرَة البعيدة خُروجُ أُلُوفٌ مِن دِيَارِهم حَذَرَ الْمَوْتِ وإِماتَتُهم وإحياؤُهم، وعُرِضَ عليه مُـحاورَةُ الملَإِ مِن بنـي إسراءيلَ مِن بعد موسَى نبيَّهم يسْألونَه أن يبعَثَ مَلِكًا يُقاتِلون معه في سبيل الله جالوت وجنودَه، وعُرِضَ عليه كَيْفَ فَعَلَ رَبُّهُ بِأصحاب الفيل وحيث تضمّن تفصيلُ الكتاب المنزَّلِ ﴿أَلَـمْ تَرَ﴾، للدلالة على أنْ سيقَعُ مِثْلُهُ فِـي أُمَّتِه.
    وإن التقدم العلمي اليوم لم يبلغْ بعضَ ما عُرِضَ على النبيّ الأميّ صلّى اللهُ عليه وعلى ءالِه وسلم ومنه أنْ عُرِضَ عليه مِن حوادِثِ الغيْبِ الـمُنتَظَرَةِ كالذين يُسَارِعون في اليهودِ والنصارَى خَشْيةَ الدَّائِرةِ عليهم، وكثيرٍ مِن الْـمُنافِقِينَ يتوَلَّوْنَ الذِينَ كَفَرُوا مِن دونِ الْـمُؤْمِنين، وحيث تضمّن تفصيلُ الكتاب المنزَّلِ ﴿فَتَرَى﴾ ﴿وَتَرَى﴾ للدلالة على أنه مما عُرِضَ عليه ثُمَّ نُبِّئَ به في القرآن، وذلكما الفرْقُ بين مَا نُبِّـئَ به النبِـيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى ءالِه وسلّم عَرْضًا ووحْيًا وبيْنَ ما خُوطِبتِ البشريّةُ بتأمُّلِهِ مِن الظواهِر والسُّنَنِ وتضمّنه تفصيلُ الكِتابِ كما في ﴿أَفَرَأَيْتُمْ﴾ ﴿أَفَلَـمْ يَرَوْا﴾ ﴿أَلَـمْ يَرَوْا﴾ وبيْن ما نبَّأَ اللهُ البشريّةَ كلّها أن ستتبيَّنُه رأيَ العيْنِ كما في ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِـي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ ﴾[الأنبياء 44].
    إنّ النبِّـيَّ هو الذي نبَّأَه اللهُ وحْيًا إليه وعرْضًا عليه في يقظته مما سيكون من الحوادث في الدنيا والآخرة وأرسلَه إلـى مُعاصِريه وآخرين لما يلحقوا بهم من الأجيال اللاحقة.
    إن إسلامَ النبيِّين هو تحقيقُهم عبوديتَهم لله في جميع أحوالهم في أنفسهم وفي ما يملكون فهم في الدنيا كإسلام من في السماوات والأرض يوم القيامة، وإذا ذكَر الله في القرآن عبودية عبْدٍ فإنما لإظهار نبوّته التي أسلم بها لله ومنهم أيوب وزكريَّا وداوودُ وإبراهيمُ وإسحاقُ ويعقوبُ ونوحٌ ومعلِّمُ موسَى ومحمد بن عبد الله الهاشِمِي صلى الله عليه وعلى ءالِه وسلم.
    والنبيون ثلاثة أصناف:
    أولا: النبيّون قبل موسى آتاهم ربهم الكتاب فحفظوه عن ظهر قلب وعلِموه تعلُّما خارقا وأرسلهم اللهُ إلى مُعَاصِرِيهم ولاحِقِيهم فعلّموا منه بقَدْر استعدادِ المعاصرين للتّلقِّي.
    ثانيا: النبيُّون الذين أنزل اللهُ عليهم الكتاب للناس: موسى وعيسى ومحمد أرسلهم اللهُ بالبيِّنات لِـما في الكتاب وبالنُّبُوَّة إلى مُعاصِريهم ولاحِقيهم.
    ثالثا: النبيّون الذين أرسلهم الله بالنُّبُوة وبالبينات لما في التوراة وهم أنبياء بني إسرائيل بعد موسى وكذلك عيسى لتِبيانِه بيّناتِ ما في التوراة ومـحمدٌ صلّى الله عليه وعلى ءاله وسلم لِتِبيانِه بيِّناتِ ما في التوراة والإنجيل.
    والنبوّةُ نُبُوّتان: أُولَـى انقضتْ بِإغْرَاقِ فرعونَ وجُنُودِه، وثانِيَةٌ ابتدأتْ بالتوراةِ التِـي أوتِيَهَا مُوسَـى أَلْواحًا مكتوبةً، وتجدّدتْ بكل مِن الإنجيلِ والقرآن ولَـمْ تنقَضِ بَعْدُ بل لا يَزَالُ منها غَيْبًا مُنتَظَرًا حتَّـى يأتِـيَ اللهُ بِأَمْرِهِ فيُصْبحَ شَهادَةً، وتفصيلُه هو القصْد.
    فالنبوة أوتيها النبيون جميعا وأوتِيَها قومُهم من بعدهم الذين تلقَّوْا منهم وأوتِيَها الأجيالُ اللاحقة بعدهم، وكذلك أوتِيَها المعدودون في سورة الأنعام وأُوتِيَها مَنْ لَيْسُوا أنبياءَ مِن آبائِهم وذرياتهم وإخوانِهم.
    إنّ إيتاءَ بنـي إسراءيلَ الكتابَ والْـحُكم والنُّبُوَّةَ كما في سورة الجاثية لا يعنـي أن كل واحد من بني إسرائيل كان نبيّا وإنما يعني أن مِيراثَ النبوَّة كان فيهم فمِنهم مَن شَرُفَ بِـحَمْلِه ومِنهم مَن شَقِيَ بالإعراض عنه كالسَّامريِّ الدجال المنتظر والذين قتَلوا النبيين وشرارُ الخلْقِ أصحابُ قالةِ السُّوءِ عن الله سبحانه وتعالى.
    وإن النّبِـيّ لرسولٌ مِن اللهِ كما في قوله ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَبِـيٍّ فِـي الْأَوَّلِينَ﴾[الزخرف 6] أرسله اللهُ بالنبوّة وبالبيّنات لِـما في الكتاب، والآيات الخارقة مع النبيين للكرامةِ والطمأنينة كقول إبراهيم ﴿وَلَكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِـي﴾[البقرة 260].
    إنّ درجة النّبِـيِّ في الدنيا هي أكبر درجة بلغَها بَشَر وأكبر نِعمة أنعم الله بها على بشر كما في قوله:
    ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّـخِذُوا الْـمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾[آل عمران 80]
    ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِـيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّـخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾[المائدة 81]
    ﴿النَّبِـيُّ أَوْلَـى بِالْـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾[الأحزاب 6]
    ويعني حرف آل عمران أن الملائكة والنبيين هم أشرف المخلوقات.
    ويعني حرف المائدة أن التشريع المنزّل من عند الله إنما هو المنزّل إلى النّبـيِّ فجميع الناس تبَع له.
    ودلالة حرف الأحزاب ظاهرة.
    وإن درجة الرسالة لأقل من درجة النبوة ووقعت زيادةُ الأقل ليبلغ الدرجة العليا وكذلك وصفَ اللهُ كلا مِن موسَى وإسماعيلَ ومُـحمّدٍ بأنّه رسولٌ نبِـيٌّ، ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل زيادة الوصف بالنبوة بما هو أقل منها وهو الرسالة بالآيات كما في قوله ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾[مريم 53] وقول عيسى ﴿إِنِّـي عَبْدُ اللهِ ءَاتَانِـيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِـي نَبِيًا﴾[مريم 30] ورسالة هارون وعيسى من المعلوم من القرآن.
    وفي سورتَـيْ مريم والنساء جعل اللهُ النبيّينَ على رَأسِ الذين أنعَمَ عليهم، وذكّرَ موسَى قومَه بنِـي إسراءيل بِنِعَم اللهِ عليهم فبدأ بأنْ جَعَلَ فيهم أنبياءَ.
    وإن أشدَّ الناس بلاءً هم الأنبياءُ كما في الحديث، وقد قُتِل بعضهم ﴿بِغَيْرِ الْـحَقِّ﴾ وهو شَرْعُ الله و ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ أي للناس عليهم، أي أن النبيِّين الذين قُتِلوا لم يظلموا أحدا ولم يكسبوا إثما يجعل لقاتلِيهم حقا ولو ضعيفا يُبِيح له قَتْلَهم، فلا تسل عن سفاهةِ الذين قتَلوا النبيِّين فهم رحمةٌ لمعاصرِيهم يأمنون العذاب في الدنيا من الله ما بقِيَ النَّبِـيُّ حيًّا بين أظهرهم.
    وإن النبيين قد قُتِل بعضُهم ولم يَهْلَكْ بعذاب جامع مستأصِل الذين كذَّبوهم وقتَلُوهم.
    وإن محمدا بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وعلى ءالِه وسلم هو خاتَم النبيِّين وآخرُهم وتضمَّن تفصيلُ الكتاب المنزّل انْقِضاءَ إِيتاءِ النُّبُوُّةِ كما في سورتَـيِ البقرة وآل عمران، وانقِضاءَ أَخْذِ الْمِيثاقِ مِنهم كما في سورتَـيْ ءال عمران والأحزاب.
    وقد نبّأ اللهُ مُـحمّدا صلى الله عليه وعلى ءالِه وسلم بالقرآن وتضمَّنَ الكِتابُ تفصيل تدبيرِ الأمْرِ في الدنيا والوَعْدِ في الآخرة، وتضمَّنَ القرآنُ تفصيلَ الغَيْبِ في الدنيا الذي كَلَّفَ اللهُ البشَرِيَّةَ بالإيمانِ به، وتقريب ذلك وإيضاحُه هو القصد في الموسوعة والله المستعان.
    أما الرسالة ـ في تفصيل الكتاب المنزل ـ فهي أخَصُّ مِن الإذْنِ المقترِن بالتخيير لدلالة الرسالة على "إطلاق مُكَلَّفٍ ببلاغ أو بفعل معلوم محدد غير مأذونٍ به مِن قبلُ".
    والرُّسُل طائفتان:
    ـ رَسُول نَبِـيٌّ إلى مُعاصريه بداية أمّتِهِ والأجيال اللاحقة بعدهم وهو رسول الله بالنبوّة وبالبيّنات لما في الكتاب فهو رحمة وأمانٌ لِـمُعاصِرِيه.
    ـ ورسول بالآيات الخارقة للتخويف بها قبل القضاء بين الفريقيْنِ ـ في حياتِه ـ بتنجية الذين ءامنوا معه وتدمير الذين أجرموا، فهو رسول رب العالمين إلى مُعاصِريه الذين يشهدون الآياتِ الخارقةَ معه وهو كذلك رسول الله بالبيّنات لِـما في الكتاب المنزّلِ على النبيّ قبله وليس رسولا من الله بنبوّة جديدة إلى أجيال لاحقة بل هو نهاية أمّة النبيّ قبله أي سيشهدُ مُعاصروه القضاءَ بين المكذِّبين والمؤمنين بإهلاك المجرمين أجمعين وبنجاة المؤمنين معه واستخلافهم ليعبدوا الله ءامنين مُطمئنين بعد إبدالِ خوفِهم أمْنًا، وذلكم الفرق بين النبِـيِّ والرسول بالآيات.
    ويعني قوله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ وَلَا نَبِـيٍّ إِلَّا إِذَا تَـمَنَّـى أَلْقَـى الشَّيْطَانُ فِـي أُمْنِيَتِهِ﴾[الحج 52] المغايرةَ بين الوَصْفَين إذ لو كان كل رسول نبيّا لما عطف عليه بقوله ﴿وَلَا نَبِـيٍّ﴾، ويعني العطف بقوله ﴿وَلَا﴾ الاستغراقَ وأنّ ما بعدها أعظم مما قبلها كما في قوله ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا للهِ وَلَا الْـمَلَائِكَةُ الْـمُقَرَّبُونَ﴾[النساء 172].
    ويتلقى الوحيَ كل من الرّسول النبِـيّ والرسول بالآيات الخارقة كما في قوله:
    ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَـى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾[النساء 163]
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾[يوسف 109][النحل 43]
    والنبـيُّ رسول بالنبوّة وبالبيّنات لما في الكتاب كما في قوله ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَبِـيٍّ فِـي الْأَوَّلِينَ﴾[الزخرف 6]
    والرسول بالآيات رسولٌ من رب العالمين كما هي دلالة قول نوح وهود ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّـي﴾[الأعراف 62] [الأعراف 68]، وقول ثمود ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِـحًا مُرْسَلٌ مِن رَبِّهِ﴾[الأعراف 75] وقول صالح ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّـي﴾[لأعراف 79] وقول شعيب ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّـي﴾[الأعراف 93] وقول موسى ﴿يَا فِرْعَوْنُ إِنِّـي رَسُولٌ مِن رَبِّ الْعَالَـمِينَ﴾[الأعراف 104].
    وفي سورة الشعراء أخبر كل من نوح وهود وصالح وشعيب أن أجر بلاغِه على رب العالمين الذي أرسله.
    والآيات الخارقة مع رسُلِ ربنا هي النُّذُر كما في قوله ﴿كَذَّبَتْ ثَـمُودُ بِالنُّذُرِ﴾[القمر 23] وقوله ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾[القمر 33] وقوله ﴿وَلَقَدْ جَاءَ ءَالُ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ﴾[القمر 41].
    والرسول بالآيات الخارقة المعجزة مُذكِّرٌ بنُبُوّة مَن قبله وعلى مِنهاجها وشاهِد على صدق النبِـيّ قبله والغلَبة والنجاة من الله له هو والذين آمنوا معه على المجرمين المكذبين الذين سيُهلكهم الله كما وصف النبِـيُّ من قبل.
    والرسل بالآيات منصورون لا محالة بإهلاك المكذبين، ولا يتأتّـى قتلُ أحد منهم كما في المثاني:
    ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَـى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الذِينَ أَجْرَمُوا﴾[الروم 47]
    ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّـى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ﴾[الأنعام 34]
    ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسَلَنَا تَتْرَا كَلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُـهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾[الفلاح 44]
    ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾[هود 81]
    ولا ينغلق قتلُ بعض رُسُلِ بني إسراءيل إذ كانوا أنبياءَ، وكانت الآيات الخارقة مع داوود وسليمان وعيسى آيات للكرامة والطمأنينة، وكذلك الآياتُ الخارقة مع موسى بعد إغراق فرعونَ وليست للتخويف والقضاء.
    وقد ذكّر نوحٌ وهودٌ بنبوة مَن قبلهما كما في قولهما لقومهما ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِن رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ﴾[الأعراف 63][الأعراف 69]، ولا يخفى أن النبيين قبل نوح هم من ذرية آدم وأن النبيين قبل هود هم ممن حملتهم السفينة مع نوح كما في قوله ﴿أُولَئِكَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِن النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِـمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾[مريم 58]، فظهر أن بين آدم ونوحٍ أنبياءَ ذكّر بنبوتهم نوحٌ وأن من المؤمنين الذين كانوا مع نوح مَن جعلهم الله أنبياءَ بعده كما في قول نوح ﴿وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا﴾[هود 31]، وقد آتاهم الله جميع الخير إذ جعل منهم أنبياء ذكّر بنبوتهم وبما جاءوا به هودٌ كما في الأعراف.
    إن قوله ﴿تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَـمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِـمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف 101] ومن المثاني معه قوله ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَـى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَـمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِـمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾[يونس 74] ليعني أن أقوامَ الرُّسُلِ بالآياتِ نوحٍ وهود وصالح ولوط وشعيبٍ قد جاء ءاباءَهم الأوّلين أنبياءُ فالذي جاء به أنبياؤهم هو الذي كذّبوا به من قبلُ، والذي جاء به رُسُلُهم بالآياتِ نوحٌ وهود وصالح ولوط وشعيبٌ من الآيات والبينات هو الذي أهلكوا بسبب تكذيبِه، فالمهلَكون كذّبوا أكثر من مرة، أولاها: تكذيب النبيّين من قبلُ ثم تكذيبُ الرسل بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء.
    ولا ينغلق تكذيبُ قوم نوح المرسَلين في الشعراء والفرقان، وتكذيبُ عاد المرسلين في الشعراء وهود، وتكذيبُ ثمود المرسلين في الشعراء والحجر، وتكذيبُ أصحاب الأيكة المرسلين في الحجر، وتكذيبُ قوم لوط المرسلين في الشعراء، وقوله ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَـمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾[سورة ص 14] وقوله ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ َأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَـمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾[سورة ق 14] لدلالتِه على أن كل أمَّةٍ قد كذّبت رسلا بصيغة الجمع: أولهم النبِـيّ ثم الرسل بالآيات ومع كل منهما رسل من الملائكة تنزلت عليه بالوحي والكتاب.
    وكذلك مدلول جمع الرسالات في قول كل من نوح وهود ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّـي﴾[الأعراف 62] [الأعراف 68]، وقول شعيب ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّـي﴾[الأعراف 93]، وقوله ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّـي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِــي وَبِكَلَامِي﴾[الأعراف 144] لدلالتِه على الرسالة بالبينات والرسالة بالآيات فإن قيل إنما هما رسالتان فلم الجمع؟ قلتُ: لكل منهم أكثر من آية خارقة كل منها رسالة مع الرسالة بالبينات لما في الكتاب والله أعلم.
    وأهل الجنة وأهل النار يصفون الرسل جميعا ـ أنبياء ورسلا بالآيات ـ برسل رب العالمين كما في قول أهل الجنة ﴿لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْـحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْـجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا﴾[الأعراف 43] وكذلك أهل النار كما في قوله ﴿قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ﴾[الأعراف 53] فالفريقان كل في منزله قد علم أن الذي جاء به رسل الله في الدنيا من الكتاب والبينات هو خارق معجز لا يتأتى افتراؤه من دون الله فسمَّوُا الرسل جميعا رسل ربنا بعد العلم بالموت والبعث والحساب والجزاء.
    ولم يتضمن تفصيلُ الكتاب المنزّلِ إرسالَ نبِـيٍّ بالآيات بل الأنبياءُ رحمةٌ وأمانٌ لِمُعاصِريهم ولم تَهلكْ أمة نَبِـيٍّ في حياته.
    وبعض الرُّسُلِ بالآيات بعد إهلاك المكذّبين أُرسِلوا بالنُّبُوّةِ إلى الذين نجَوْا معهم فمَن يأتي بعدهم من الأجيال اللاحقة وكذلك نُبِّئَ نوح وإبراهيم ولوط وموسى وهارون بعد هلاك أقوامهم المكذبين ولم يصفهم القرآن بأنهم أنبياء في سياق مخاطبة قومهم الذين أهلكوا.
    وبعد هلاك فرعون وملئه لم يرسلْ رب العالمين رسولا بالآيات الخارقة لنظام الكون ونواميسِه الذي عرفه الناس للتخويف بها قبل القضاء بين الفريقيْن بإهلاك المكذّبين واستخلاف الذين ءامنوا إلى يومنا هذا وكما لم يوصفْ في القرآن كله رسولٌ بعد موسى وهارون بأنه رسول رب العالمين، وتضمن القرآن وفي نسختي التوراة والإنجيل اللتيْنِ في القرآن النبوّةَ والوعْدَ من اللهِ أن يُرسِل رُسُلًا بالآيات بعد نزول القرآن، وتأصيله وتفصيله هو القصد والله المستعان.
    يتواصل
    الكلية الرابعة (الاصطفاء)
    الكلية الثالثة: الفرق بين النبوة والرسالة النبوّة في تفصيل الكتاب المنزّل ـ عند إطلاقِها ـ هي الإخبارُ باليقينِ من العلم الغائب عنك كما في قوله ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَـمْ تَسْتَطِع عَلَيْهِ صَبْرًا﴾[الكهف 78]، أو بما كان من الحوادث التي غابتْ عنك فلم تحضرْها سواء كانت ماضية كقوله ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾[الحجر 51]، أو معاصرة كقوله ﴿فَقَالَ أَحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تُـحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾[النمل 22]، أو بما ستؤول إليه الحوادثُ كما ستقع مستقبلا كقوله ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَـمَسُّهُم مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾[هود 49]، وقوله ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾[سورة ص 67 ـ 68]. وإنه في يوم الدِّين يُنبَّأُ الإنسانُ بما قدّم وأخّر، ويُنبَّأُ الناسُ بما عملوا وبما كانوا يصنعون وبما كانوا فيه يختلفون وإليه أمرهم فينبئهم بما كانوا يفعلون. ولا كرامة في هذه النبوَّة إذ هي بإحضار عمل ِالإنسان المنبَّإ به فيُعرض عليه لِيراه جهرة كما في قوله ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾[التكوير 14] وقوله ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾[الانفطار 5] ولا عِلْمَ قبل تمكُّنِ البصر من المعلوم كما في قوله ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْـمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾[النبأ 40] وقوله ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَـهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ﴾[البقرة 167] وقوله ﴿يَوْمَ تَـجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُـحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾[آل عمران 30] والمعنى أنه محضر كذلك وقوله ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[الكهف 49]. إن قوله ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾[الانفطار 5] لمن المثاني مع قوله ﴿إِنَّا نَـحْنُ نُـحْيِـي الْـمَوْتَـى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ﴾[يس 12] وقوله ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[النحل 25] وقوله ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَـهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِـهِمْ﴾[العنكبوت 13] إذِ الذي قدّموه هو ما عمِلوا في حياتهم والذي أخّروه هو الأثَر الذي تركوه خلْفَهم ومنه الأشرطة المسموعة والمرئية فإن كان سيئا كان من أوزار الذين يُضِلُّونهم بغير عِلْم ومن الأثقال مع أثقالهم. وكذلك يُنَبَّأ ابنُ آدم إذا مات ودخل البرزَخ إذِ يُعرَضُ عليه قبل البعث مقعدُه غداةً وعشيًّا كما في صحيح البخاري في حديث ابن عمر المرفوع. وجميع أهل الجنة يُنَبِّئُهم اللهُ فيَعرِض عليهم وهم على سررهم ما يشاءون كما قوله ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُم مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِـي سَوَاءِ الْـجَحِيمِ﴾[الصفات 54 ـ 55] وأهل النار كذلك يُنبَّأون كما في قوله ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَـهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا بِـخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾[البقرة 167] يعني تُعرض عليهم أعمالهم التي قدّموها في الدنيا ودخلوا بها النار ليزدادوا حسرة وقنوطا من الفَرَج والرحمة. إن اللهَ نبّأ مُـحمّدا صلى الله عليه وسلم بما سيكون في أمته فعرضَه عليه عرْضا ورأى رجال ونساء أمته حسب أعمالهم ودرجاتهم على نسق ما يُنبِّئ اللهُ به كل إنسان في يوم الدِّين والحساب بما قدَّم وأخَّر من أعماله. ولا تسَلْ عن اليقين من العلم الحاصل للإنسان المنبَّإِ في يوم الدِّينِ ولا للنَّبِـيّ في الدُّنيا لأن اللهَ يُرِي النبِـيَّ ذلك العرْضَ يقظةً بأم عينيه في الدنيا كما في الأحاديث النبوية المتواترة ومنها: ـ (هل ترون ما أرى إني أرى الفتنَ تقع خلال بيوتكم مواقع القَطْر) [متفق عليه] ـ (عُرِضت عليَّ الجنة والنار آنفا في عَرْض هذا الحائط فلم أرَ كالخير والشر) [صحيح البخاري] كتاب مواقيت الصلاة باب وقت صلاة الظهر بعد الزوال. وإن النُّبُوَّة المقيدة بالعلم كما في قوله ﴿نَبِّئُونِـي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[الأنعام 143] لتعني أحدَ أمرين: أولا: الإخبار والعرض يقظة وهو ما اختصّ به النبيُّون. ثانيا: الإخبار بالكتاب الذي جاء به النبيُّون وهو العلم. ويعني أن الله دعا المشركين الذين حرّموا من ثمانية أزواج الأنعام ما لم يأذن به اللهُ أن يُنبِّئوا النّبِـيَّ الأُمِّيَّ صلّى الله عليه وعلى ءالِه وسلم بعِلْمٍ أي يَعرِضوا عليه ساعةَ نزل عليهم لأول مرة من الله تحريمُ البَحيرة والسّائبة والوصيلة والحامِي أو يأتوا بكتاب من عند الله نزل فيه تحريمُ ما زعموا، وهو الدليل القوي لو استطاعوه. فالنبوةُ بعِلْمٍ بمعنَـى عَرْضِ الغيْبِ الْـمُنَبَّإِ بِهِ يقظةً على الْـمُنَبَّإِ هي ما اختصّ به النبيُّون وهي أخصُّ من قوله ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْـمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُـحْتَضَرٌ﴾[القمر 28] أي أخبرهم بِـحُكْمِ اللهِ فيه ولم يسبق إليهم عِلْمٌ به. إن التقدم العلمي اليوم لم يبلغ بعضَ ما عُرِضَ على النبيّ الأميّ صلّى اللهُ عليه وعلى ءالِه وسلم ومنه أنْ عُرِضَ عليه مِن الحوادِثِ الغابِرَة البعيدة خُروجُ أُلُوفٌ مِن دِيَارِهم حَذَرَ الْمَوْتِ وإِماتَتُهم وإحياؤُهم، وعُرِضَ عليه مُـحاورَةُ الملَإِ مِن بنـي إسراءيلَ مِن بعد موسَى نبيَّهم يسْألونَه أن يبعَثَ مَلِكًا يُقاتِلون معه في سبيل الله جالوت وجنودَه، وعُرِضَ عليه كَيْفَ فَعَلَ رَبُّهُ بِأصحاب الفيل وحيث تضمّن تفصيلُ الكتاب المنزَّلِ ﴿أَلَـمْ تَرَ﴾، للدلالة على أنْ سيقَعُ مِثْلُهُ فِـي أُمَّتِه. وإن التقدم العلمي اليوم لم يبلغْ بعضَ ما عُرِضَ على النبيّ الأميّ صلّى اللهُ عليه وعلى ءالِه وسلم ومنه أنْ عُرِضَ عليه مِن حوادِثِ الغيْبِ الـمُنتَظَرَةِ كالذين يُسَارِعون في اليهودِ والنصارَى خَشْيةَ الدَّائِرةِ عليهم، وكثيرٍ مِن الْـمُنافِقِينَ يتوَلَّوْنَ الذِينَ كَفَرُوا مِن دونِ الْـمُؤْمِنين، وحيث تضمّن تفصيلُ الكتاب المنزَّلِ ﴿فَتَرَى﴾ ﴿وَتَرَى﴾ للدلالة على أنه مما عُرِضَ عليه ثُمَّ نُبِّئَ به في القرآن، وذلكما الفرْقُ بين مَا نُبِّـئَ به النبِـيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى ءالِه وسلّم عَرْضًا ووحْيًا وبيْنَ ما خُوطِبتِ البشريّةُ بتأمُّلِهِ مِن الظواهِر والسُّنَنِ وتضمّنه تفصيلُ الكِتابِ كما في ﴿أَفَرَأَيْتُمْ﴾ ﴿أَفَلَـمْ يَرَوْا﴾ ﴿أَلَـمْ يَرَوْا﴾ وبيْن ما نبَّأَ اللهُ البشريّةَ كلّها أن ستتبيَّنُه رأيَ العيْنِ كما في ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِـي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ ﴾[الأنبياء 44]. إنّ النبِّـيَّ هو الذي نبَّأَه اللهُ وحْيًا إليه وعرْضًا عليه في يقظته مما سيكون من الحوادث في الدنيا والآخرة وأرسلَه إلـى مُعاصِريه وآخرين لما يلحقوا بهم من الأجيال اللاحقة. إن إسلامَ النبيِّين هو تحقيقُهم عبوديتَهم لله في جميع أحوالهم في أنفسهم وفي ما يملكون فهم في الدنيا كإسلام من في السماوات والأرض يوم القيامة، وإذا ذكَر الله في القرآن عبودية عبْدٍ فإنما لإظهار نبوّته التي أسلم بها لله ومنهم أيوب وزكريَّا وداوودُ وإبراهيمُ وإسحاقُ ويعقوبُ ونوحٌ ومعلِّمُ موسَى ومحمد بن عبد الله الهاشِمِي صلى الله عليه وعلى ءالِه وسلم. والنبيون ثلاثة أصناف: أولا: النبيّون قبل موسى آتاهم ربهم الكتاب فحفظوه عن ظهر قلب وعلِموه تعلُّما خارقا وأرسلهم اللهُ إلى مُعَاصِرِيهم ولاحِقِيهم فعلّموا منه بقَدْر استعدادِ المعاصرين للتّلقِّي. ثانيا: النبيُّون الذين أنزل اللهُ عليهم الكتاب للناس: موسى وعيسى ومحمد أرسلهم اللهُ بالبيِّنات لِـما في الكتاب وبالنُّبُوَّة إلى مُعاصِريهم ولاحِقيهم. ثالثا: النبيّون الذين أرسلهم الله بالنُّبُوة وبالبينات لما في التوراة وهم أنبياء بني إسرائيل بعد موسى وكذلك عيسى لتِبيانِه بيّناتِ ما في التوراة ومـحمدٌ صلّى الله عليه وعلى ءاله وسلم لِتِبيانِه بيِّناتِ ما في التوراة والإنجيل. والنبوّةُ نُبُوّتان: أُولَـى انقضتْ بِإغْرَاقِ فرعونَ وجُنُودِه، وثانِيَةٌ ابتدأتْ بالتوراةِ التِـي أوتِيَهَا مُوسَـى أَلْواحًا مكتوبةً، وتجدّدتْ بكل مِن الإنجيلِ والقرآن ولَـمْ تنقَضِ بَعْدُ بل لا يَزَالُ منها غَيْبًا مُنتَظَرًا حتَّـى يأتِـيَ اللهُ بِأَمْرِهِ فيُصْبحَ شَهادَةً، وتفصيلُه هو القصْد. فالنبوة أوتيها النبيون جميعا وأوتِيَها قومُهم من بعدهم الذين تلقَّوْا منهم وأوتِيَها الأجيالُ اللاحقة بعدهم، وكذلك أوتِيَها المعدودون في سورة الأنعام وأُوتِيَها مَنْ لَيْسُوا أنبياءَ مِن آبائِهم وذرياتهم وإخوانِهم. إنّ إيتاءَ بنـي إسراءيلَ الكتابَ والْـحُكم والنُّبُوَّةَ كما في سورة الجاثية لا يعنـي أن كل واحد من بني إسرائيل كان نبيّا وإنما يعني أن مِيراثَ النبوَّة كان فيهم فمِنهم مَن شَرُفَ بِـحَمْلِه ومِنهم مَن شَقِيَ بالإعراض عنه كالسَّامريِّ الدجال المنتظر والذين قتَلوا النبيين وشرارُ الخلْقِ أصحابُ قالةِ السُّوءِ عن الله سبحانه وتعالى. وإن النّبِـيّ لرسولٌ مِن اللهِ كما في قوله ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَبِـيٍّ فِـي الْأَوَّلِينَ﴾[الزخرف 6] أرسله اللهُ بالنبوّة وبالبيّنات لِـما في الكتاب، والآيات الخارقة مع النبيين للكرامةِ والطمأنينة كقول إبراهيم ﴿وَلَكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِـي﴾[البقرة 260]. إنّ درجة النّبِـيِّ في الدنيا هي أكبر درجة بلغَها بَشَر وأكبر نِعمة أنعم الله بها على بشر كما في قوله: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّـخِذُوا الْـمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾[آل عمران 80] ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِـيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّـخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾[المائدة 81] ﴿النَّبِـيُّ أَوْلَـى بِالْـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾[الأحزاب 6] ويعني حرف آل عمران أن الملائكة والنبيين هم أشرف المخلوقات. ويعني حرف المائدة أن التشريع المنزّل من عند الله إنما هو المنزّل إلى النّبـيِّ فجميع الناس تبَع له. ودلالة حرف الأحزاب ظاهرة. وإن درجة الرسالة لأقل من درجة النبوة ووقعت زيادةُ الأقل ليبلغ الدرجة العليا وكذلك وصفَ اللهُ كلا مِن موسَى وإسماعيلَ ومُـحمّدٍ بأنّه رسولٌ نبِـيٌّ، ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل زيادة الوصف بالنبوة بما هو أقل منها وهو الرسالة بالآيات كما في قوله ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾[مريم 53] وقول عيسى ﴿إِنِّـي عَبْدُ اللهِ ءَاتَانِـيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِـي نَبِيًا﴾[مريم 30] ورسالة هارون وعيسى من المعلوم من القرآن. وفي سورتَـيْ مريم والنساء جعل اللهُ النبيّينَ على رَأسِ الذين أنعَمَ عليهم، وذكّرَ موسَى قومَه بنِـي إسراءيل بِنِعَم اللهِ عليهم فبدأ بأنْ جَعَلَ فيهم أنبياءَ. وإن أشدَّ الناس بلاءً هم الأنبياءُ كما في الحديث، وقد قُتِل بعضهم ﴿بِغَيْرِ الْـحَقِّ﴾ وهو شَرْعُ الله و ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ أي للناس عليهم، أي أن النبيِّين الذين قُتِلوا لم يظلموا أحدا ولم يكسبوا إثما يجعل لقاتلِيهم حقا ولو ضعيفا يُبِيح له قَتْلَهم، فلا تسل عن سفاهةِ الذين قتَلوا النبيِّين فهم رحمةٌ لمعاصرِيهم يأمنون العذاب في الدنيا من الله ما بقِيَ النَّبِـيُّ حيًّا بين أظهرهم. وإن النبيين قد قُتِل بعضُهم ولم يَهْلَكْ بعذاب جامع مستأصِل الذين كذَّبوهم وقتَلُوهم. وإن محمدا بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وعلى ءالِه وسلم هو خاتَم النبيِّين وآخرُهم وتضمَّن تفصيلُ الكتاب المنزّل انْقِضاءَ إِيتاءِ النُّبُوُّةِ كما في سورتَـيِ البقرة وآل عمران، وانقِضاءَ أَخْذِ الْمِيثاقِ مِنهم كما في سورتَـيْ ءال عمران والأحزاب. وقد نبّأ اللهُ مُـحمّدا صلى الله عليه وعلى ءالِه وسلم بالقرآن وتضمَّنَ الكِتابُ تفصيل تدبيرِ الأمْرِ في الدنيا والوَعْدِ في الآخرة، وتضمَّنَ القرآنُ تفصيلَ الغَيْبِ في الدنيا الذي كَلَّفَ اللهُ البشَرِيَّةَ بالإيمانِ به، وتقريب ذلك وإيضاحُه هو القصد في الموسوعة والله المستعان. أما الرسالة ـ في تفصيل الكتاب المنزل ـ فهي أخَصُّ مِن الإذْنِ المقترِن بالتخيير لدلالة الرسالة على "إطلاق مُكَلَّفٍ ببلاغ أو بفعل معلوم محدد غير مأذونٍ به مِن قبلُ". والرُّسُل طائفتان: ـ رَسُول نَبِـيٌّ إلى مُعاصريه بداية أمّتِهِ والأجيال اللاحقة بعدهم وهو رسول الله بالنبوّة وبالبيّنات لما في الكتاب فهو رحمة وأمانٌ لِـمُعاصِرِيه. ـ ورسول بالآيات الخارقة للتخويف بها قبل القضاء بين الفريقيْنِ ـ في حياتِه ـ بتنجية الذين ءامنوا معه وتدمير الذين أجرموا، فهو رسول رب العالمين إلى مُعاصِريه الذين يشهدون الآياتِ الخارقةَ معه وهو كذلك رسول الله بالبيّنات لِـما في الكتاب المنزّلِ على النبيّ قبله وليس رسولا من الله بنبوّة جديدة إلى أجيال لاحقة بل هو نهاية أمّة النبيّ قبله أي سيشهدُ مُعاصروه القضاءَ بين المكذِّبين والمؤمنين بإهلاك المجرمين أجمعين وبنجاة المؤمنين معه واستخلافهم ليعبدوا الله ءامنين مُطمئنين بعد إبدالِ خوفِهم أمْنًا، وذلكم الفرق بين النبِـيِّ والرسول بالآيات. ويعني قوله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ وَلَا نَبِـيٍّ إِلَّا إِذَا تَـمَنَّـى أَلْقَـى الشَّيْطَانُ فِـي أُمْنِيَتِهِ﴾[الحج 52] المغايرةَ بين الوَصْفَين إذ لو كان كل رسول نبيّا لما عطف عليه بقوله ﴿وَلَا نَبِـيٍّ﴾، ويعني العطف بقوله ﴿وَلَا﴾ الاستغراقَ وأنّ ما بعدها أعظم مما قبلها كما في قوله ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا للهِ وَلَا الْـمَلَائِكَةُ الْـمُقَرَّبُونَ﴾[النساء 172]. ويتلقى الوحيَ كل من الرّسول النبِـيّ والرسول بالآيات الخارقة كما في قوله: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَـى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾[النساء 163] ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾[يوسف 109][النحل 43] والنبـيُّ رسول بالنبوّة وبالبيّنات لما في الكتاب كما في قوله ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَبِـيٍّ فِـي الْأَوَّلِينَ﴾[الزخرف 6] والرسول بالآيات رسولٌ من رب العالمين كما هي دلالة قول نوح وهود ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّـي﴾[الأعراف 62] [الأعراف 68]، وقول ثمود ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِـحًا مُرْسَلٌ مِن رَبِّهِ﴾[الأعراف 75] وقول صالح ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّـي﴾[لأعراف 79] وقول شعيب ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّـي﴾[الأعراف 93] وقول موسى ﴿يَا فِرْعَوْنُ إِنِّـي رَسُولٌ مِن رَبِّ الْعَالَـمِينَ﴾[الأعراف 104]. وفي سورة الشعراء أخبر كل من نوح وهود وصالح وشعيب أن أجر بلاغِه على رب العالمين الذي أرسله. والآيات الخارقة مع رسُلِ ربنا هي النُّذُر كما في قوله ﴿كَذَّبَتْ ثَـمُودُ بِالنُّذُرِ﴾[القمر 23] وقوله ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾[القمر 33] وقوله ﴿وَلَقَدْ جَاءَ ءَالُ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ﴾[القمر 41]. والرسول بالآيات الخارقة المعجزة مُذكِّرٌ بنُبُوّة مَن قبله وعلى مِنهاجها وشاهِد على صدق النبِـيّ قبله والغلَبة والنجاة من الله له هو والذين آمنوا معه على المجرمين المكذبين الذين سيُهلكهم الله كما وصف النبِـيُّ من قبل. والرسل بالآيات منصورون لا محالة بإهلاك المكذبين، ولا يتأتّـى قتلُ أحد منهم كما في المثاني: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَـى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الذِينَ أَجْرَمُوا﴾[الروم 47] ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّـى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ﴾[الأنعام 34] ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسَلَنَا تَتْرَا كَلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُـهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾[الفلاح 44] ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾[هود 81] ولا ينغلق قتلُ بعض رُسُلِ بني إسراءيل إذ كانوا أنبياءَ، وكانت الآيات الخارقة مع داوود وسليمان وعيسى آيات للكرامة والطمأنينة، وكذلك الآياتُ الخارقة مع موسى بعد إغراق فرعونَ وليست للتخويف والقضاء. وقد ذكّر نوحٌ وهودٌ بنبوة مَن قبلهما كما في قولهما لقومهما ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِن رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ﴾[الأعراف 63][الأعراف 69]، ولا يخفى أن النبيين قبل نوح هم من ذرية آدم وأن النبيين قبل هود هم ممن حملتهم السفينة مع نوح كما في قوله ﴿أُولَئِكَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِن النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِـمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾[مريم 58]، فظهر أن بين آدم ونوحٍ أنبياءَ ذكّر بنبوتهم نوحٌ وأن من المؤمنين الذين كانوا مع نوح مَن جعلهم الله أنبياءَ بعده كما في قول نوح ﴿وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا﴾[هود 31]، وقد آتاهم الله جميع الخير إذ جعل منهم أنبياء ذكّر بنبوتهم وبما جاءوا به هودٌ كما في الأعراف. إن قوله ﴿تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَـمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِـمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف 101] ومن المثاني معه قوله ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَـى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَـمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِـمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾[يونس 74] ليعني أن أقوامَ الرُّسُلِ بالآياتِ نوحٍ وهود وصالح ولوط وشعيبٍ قد جاء ءاباءَهم الأوّلين أنبياءُ فالذي جاء به أنبياؤهم هو الذي كذّبوا به من قبلُ، والذي جاء به رُسُلُهم بالآياتِ نوحٌ وهود وصالح ولوط وشعيبٌ من الآيات والبينات هو الذي أهلكوا بسبب تكذيبِه، فالمهلَكون كذّبوا أكثر من مرة، أولاها: تكذيب النبيّين من قبلُ ثم تكذيبُ الرسل بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء. ولا ينغلق تكذيبُ قوم نوح المرسَلين في الشعراء والفرقان، وتكذيبُ عاد المرسلين في الشعراء وهود، وتكذيبُ ثمود المرسلين في الشعراء والحجر، وتكذيبُ أصحاب الأيكة المرسلين في الحجر، وتكذيبُ قوم لوط المرسلين في الشعراء، وقوله ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَـمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾[سورة ص 14] وقوله ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ َأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَـمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾[سورة ق 14] لدلالتِه على أن كل أمَّةٍ قد كذّبت رسلا بصيغة الجمع: أولهم النبِـيّ ثم الرسل بالآيات ومع كل منهما رسل من الملائكة تنزلت عليه بالوحي والكتاب. وكذلك مدلول جمع الرسالات في قول كل من نوح وهود ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّـي﴾[الأعراف 62] [الأعراف 68]، وقول شعيب ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّـي﴾[الأعراف 93]، وقوله ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّـي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِــي وَبِكَلَامِي﴾[الأعراف 144] لدلالتِه على الرسالة بالبينات والرسالة بالآيات فإن قيل إنما هما رسالتان فلم الجمع؟ قلتُ: لكل منهم أكثر من آية خارقة كل منها رسالة مع الرسالة بالبينات لما في الكتاب والله أعلم. وأهل الجنة وأهل النار يصفون الرسل جميعا ـ أنبياء ورسلا بالآيات ـ برسل رب العالمين كما في قول أهل الجنة ﴿لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْـحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْـجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا﴾[الأعراف 43] وكذلك أهل النار كما في قوله ﴿قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ﴾[الأعراف 53] فالفريقان كل في منزله قد علم أن الذي جاء به رسل الله في الدنيا من الكتاب والبينات هو خارق معجز لا يتأتى افتراؤه من دون الله فسمَّوُا الرسل جميعا رسل ربنا بعد العلم بالموت والبعث والحساب والجزاء. ولم يتضمن تفصيلُ الكتاب المنزّلِ إرسالَ نبِـيٍّ بالآيات بل الأنبياءُ رحمةٌ وأمانٌ لِمُعاصِريهم ولم تَهلكْ أمة نَبِـيٍّ في حياته. وبعض الرُّسُلِ بالآيات بعد إهلاك المكذّبين أُرسِلوا بالنُّبُوّةِ إلى الذين نجَوْا معهم فمَن يأتي بعدهم من الأجيال اللاحقة وكذلك نُبِّئَ نوح وإبراهيم ولوط وموسى وهارون بعد هلاك أقوامهم المكذبين ولم يصفهم القرآن بأنهم أنبياء في سياق مخاطبة قومهم الذين أهلكوا. وبعد هلاك فرعون وملئه لم يرسلْ رب العالمين رسولا بالآيات الخارقة لنظام الكون ونواميسِه الذي عرفه الناس للتخويف بها قبل القضاء بين الفريقيْن بإهلاك المكذّبين واستخلاف الذين ءامنوا إلى يومنا هذا وكما لم يوصفْ في القرآن كله رسولٌ بعد موسى وهارون بأنه رسول رب العالمين، وتضمن القرآن وفي نسختي التوراة والإنجيل اللتيْنِ في القرآن النبوّةَ والوعْدَ من اللهِ أن يُرسِل رُسُلًا بالآيات بعد نزول القرآن، وتأصيله وتفصيله هو القصد والله المستعان. يتواصل الكلية الرابعة (الاصطفاء)
    1
    0 التعليقات 0 نشر
  • عشرات الكليات مِن أُصول الاعتقاد غفَل عنها المسلمون عبر التاريخ (2)
    تـتِـمّة الكلية الأولـى ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾
    إنّ الكلماتِ الْمُسنَدةِ إلى الله ربِّنا في تفصيل الكتاب المنزل هي ما وَعْدٌ وَعَدَ بِه اللهُ رب العالمين ويتِمُّ نفاذُه بِكلِمَةِ ﴿كُنْ﴾ الخارقةِ لا بِـجهودِنا مَعْشَر الْـمُكلَّفين، ﴿فَيَكُونُ﴾ إذا وافقت الأجلَ الذي جعل اللهُ لها وهو الْـميعادُ الذي لا يُـخْلِفُه اللهُ، ومن الكلمات ما أُسْنِدَ إلـى ربِّ العالمين للدلالة على أمْرٍ خارِقٍ، ومنها ما أُسْنِدَ إلى اللهِ للدلالة على التكليف.
    ووعَدَ الله في الكتاب المنزل أن لا تبديلَ ولا مُبَدِّل لكلماتِ اللهِ أي ستتِمُّ صِدقا وعَدْلا كما نَبَّأَ اللهُ من قبلُ في القرآن، ثم لا يجد الناسُ في القرآن اختلافا عنها بل يعرفونها بالقرآن ويهتدون به إليها، وكذلك دلالةُ أنّ القرآن لو كان من عندِ غيرِ اللهِ لوَجَدَ الناسُ اختلافا كثيرا بينه وبين ما يستقْبلونَه من الحوادثِ.
    لقد تضمن الكتاب المنزل "كلماتٍ من ربِّنا" هي وعْدٌ منه حسَنٌ سيتم نفاذُه في الآخرة، ومنه الكلمةُ القوْلُ الذي نَبَّأَ اللهُ به يوم أبَـى إبليسُ واستكبر أن يسجد لآدم مع الساجدين، أي هو الوعدُ الذي سيحِقُّ أي يقع على الكافرين فيكونون من أصحاب النار في جهنم خالدين كما في المثاني:
    ﴿قَالَ هَـَذا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[الحجر 43]
    ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾[الأعراف 18]
    ﴿قَالَ فَالْـحَقُّ وَالْـحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِـمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[ص 85]
    ويعني أنّ قوله تعالى ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِـمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ هو الكَلِمةُ أي الوعْدُ الذِي سَيَحِقُّ أي يتِمُّ نفاذه يوم القيامة كما في المثاني:
    ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّـي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْـجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾[السجدة 13]
    ﴿وَتَـمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْـجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾[هود 119]
    ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾[غافر 6]
    ﴿وَسِيقَ الذِينَ كَفَرُوا إِلَـى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّـى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَـهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَـمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾[الزمر 71]
    ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِـي النَّارِ﴾[الزمر 19]
    ﴿قَالَ الذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾[القصص 63]
    وتضمّن القرآنُ "كلماتٍ من ربِّنا" هي وعْدٌ منه حسَنٌ سيتم نفاذُه قبلَ انقضاءِ الدنيا كما في المثاني:
    ﴿إِنَّ الذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّـى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾[يونس 96]
    ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[يونس 33]
    وتعنـي أنّ الآياتِ الخارقةَ للتخويف والقضاء إِذا جاءتْ في آخر أجَل الأُمَّة لن يؤْمِن بها الذين حقَّتْ عليهم "كلمة ربِّنَا" أي وعْدُهُ أن يملأ جهنَّم من الـجِنَّة والناسِ أجمعين.
    وإنَّ مِن "كلمات ربِّنا" أي وعْدُه الذي سيتمُّ نفاذه في الآخرة قوله تعالى:
    ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَـخْتَلِفُونَ﴾[يونس 19]
    ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾[فصلت 45]
    ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود 110]
    ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ إِلَـى أَجَلٍ مُسَمًّـى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [الشورى 14]
    ومن تأمّلَ حرف هود وفصلت والشورى وأول يونس علِمَ أن وَعْدا قد سبق من "ربِّنا" أن يؤخِّرَ القضاءَ بين المختلفين بعد إيتاء موسى التوراة إلى أجل مُسَمًّى، ولم تتضمن هـذه الأحرفُ تفصيلَ الوعْدِ الذي سبق من ربِّنا.
    ومن تفصيل الكتاب تِبيانُ تفصيل الوعد في المثاني:
    ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِـي إِسْرَاءِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّـى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَـخْتَلِفُونَ﴾[يونس 93]
    ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِـي إِسْرَاءِيلَ الْكِتَابَ وَالْـحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَءَاتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَـخْتَلِفُونَ﴾[الجاثية 17]
    ومَن تدبَّرَ حرفَ الجاثية وثاني يونس علِم أن الكلمة التي سبقت من ربِّنا بعد اختلاف بني إسراءيل في التوراة هي وعْدُه في الكتاب أن يؤخر القضاء بين المختلِفِين في الكتاب المنزل إلى يوم القيامة كما هو مفصّل في قوله ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَـخْتَلِفُونَ﴾ في الجاثية وثاني يونس أي هي الكلمة التي سبقت من ربِّنا كما في فُصِّلَتْ والشورى وهود وأول يونس أي وعْدُه الذي سبق منه ولا يخلفُ اللهُ وعدَه.
    وكان من تفصيل الكتاب أنّ تِبيانَ الوعْد الذي تضمَّنه حرف الجاثية وثاني يونس لم يقترنْ بِقوله ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ﴾، وإنَّـما وردتْ حيث لـم يتنزلْ تِبيانُ الوعْد الذي سبق كما في حرف هود وفصلت والشورى وأول يونس.
    وسبقتْ ﴿كَلِمَةُ الْفَصْلِ﴾ أي وعْدُهُ بالقضاءِ بين الفريقيْنِ في أجَلٍ مسمًّى آخرِ الأمّة فتأخَّر العذابُ الماحق المستأصل عن المكذِّبين الذين عاصروا تنزُّل القرآن كما في قوله ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾[الشورى 21]،
    وتضمن القرآن "كلماتٍ من ربِّ العالمين" هي وعْدٌ حسَن منه في الدنيا، فـمِن الذِّكر مِن الأولين قوله تعالى:
    ﴿فَلَـمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُـحِقُّ اللهُ الْـحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾[يونس 81 ـ 82]
    ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَـى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْـحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾[الأعراف 117 ـ 118]
    ﴿وَتَـمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْـحُسْنَـى عَلَى بَنِـي إِسْرَاءِيلَ بِـمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ وَجَاوَزْنَا بِبَنِـي إِسْرَاءِيلَ الْبَحْرَ﴾[الأعراف 137]
    وصدَقَ اللهُ ربُّ العالمينَ وعْدَه رسولَه موسَى وتـمَّتْ كلمةُ ربِّنَا الـحُسنَـى على بني إسرائيل كالْمُفَصَّل في حرف الأعراف.
    ومِن المثاني معه وَعْدًا في الآخِرينَ بعد نزول القرآن:
    ﴿وَيَـمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُـحِقَّ الْـحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾[الشورى 24]
    ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُـحِقَّ الْـحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْـحَـقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال 7 ـ 8]
    ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْـحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾[الأنبياء 18]
    ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّـي يَقْذِفُ بِالْـحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قُلْ جَاءَ الْـحَقَّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾[سبأ 48 ـ 49]
    ﴿وَقُلْ جَاءَ الْـحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾[الإسراء 81]
    وكذلك سيصْدُقُ اللهُ ربُّ العالمين عَلَّامُ الغُيُوبِ رَسُولَه محمدًا صلّى الله عليه وسلّم وعْدَه أنْ يَقْذِفَ بالحقِّ على الباطِلِ فيُدْمَغُ فيَزْهَقُ مُباشَرةً، وإنَّـما ذلك يوم يجيءُ الرُّسُلُ بالحقِّ فيُبْطِلُ اللهُ الباطِلَ بِـمَحْوِه مَـحْوًا في الأثيرِ وفي الكُتُبِ، ويُـحِقُّ اللهُ الحقَّ بالتمكين له وظُهُورِهِ فِـي الأرض كما مكّن للحق مع موسَى، وإنّـما يتمُّ نفاذُ الوَعْدِ بكلمات الله لِعبادِه الْمُرسَلين لا لِلمؤمنين في فترةٍ مِن الرُّسُلِ وكذلك دلالة المثاني:
    ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْـمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَـهُمُ الْـمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَـهُمُ الْغَالِبُونَ﴾[الصفات 171]
    ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّـى﴾[طــه 129]
    ﴿رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾[آل عمران 194]
    ذلك أنّ الرُسُل هم الذين يتلقّوْنَ الوحْيَ وهم من سيتمكّنون من توظيف الفواتح ومنها رُوحٌ مِن أَمْرِ رَبِّنَا كما في قوله ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾[الشورى 52].
    ولقد وعَد ربُّ العالَمين رُسُلَهُ بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء أن ينصُرَهُمْ في الدنيا بتدمير المكذّبِين والتمكين للذين ءامنوا كما في المثاني:
    ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّـى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَبَإِي الْمُرْسَلِينَ﴾[الأنعام 34]
    ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْـمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَـهُمُ الْـمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَـهُمُ الْغَالِبُونَ﴾[الصفات 171]
    ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَـحْزَنُونَ الذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَـهُمُ الْبُشْرَى فِـي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِـي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[يونس 64]
    إن الحديث النبوي الصحيح "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" ليعني هدايتَنا إلى الإيمان بكلمات اللهِ التّامّات أي النافِذات إذا وافقت الأجلَ الذي جعل اللهُ لها في الدنيا كالآخرة لِيحفظَنا ويعصمَنا من شر ما خلق ومنه فتنة الدجال وإغواء الشيطان، ومن العجَب غِيابُ دلالة الحديث النبويِّ عن متون الحديث والتفسير منذ عشرات القرون.
    وأما قوله ﴿فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾[البقرة 37] وقوله ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَـمَّهُنَّ قَالَ إِنِّـي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾[البقرة 124] فليستْ مِن هذا الباب لتجرُّدِها من الإضافة إلى اللهِ ربِّنَا، ولدلالتها على وَحْيٍ بِـخِطابٍ تلقّاهُ كل من ءادَمَ وإبراهيمَ مِن ربِّه.
    الحسن ولد ماديك
    عشرات الكليات مِن أُصول الاعتقاد غفَل عنها المسلمون عبر التاريخ (2) تـتِـمّة الكلية الأولـى ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ إنّ الكلماتِ الْمُسنَدةِ إلى الله ربِّنا في تفصيل الكتاب المنزل هي ما وَعْدٌ وَعَدَ بِه اللهُ رب العالمين ويتِمُّ نفاذُه بِكلِمَةِ ﴿كُنْ﴾ الخارقةِ لا بِـجهودِنا مَعْشَر الْـمُكلَّفين، ﴿فَيَكُونُ﴾ إذا وافقت الأجلَ الذي جعل اللهُ لها وهو الْـميعادُ الذي لا يُـخْلِفُه اللهُ، ومن الكلمات ما أُسْنِدَ إلـى ربِّ العالمين للدلالة على أمْرٍ خارِقٍ، ومنها ما أُسْنِدَ إلى اللهِ للدلالة على التكليف. ووعَدَ الله في الكتاب المنزل أن لا تبديلَ ولا مُبَدِّل لكلماتِ اللهِ أي ستتِمُّ صِدقا وعَدْلا كما نَبَّأَ اللهُ من قبلُ في القرآن، ثم لا يجد الناسُ في القرآن اختلافا عنها بل يعرفونها بالقرآن ويهتدون به إليها، وكذلك دلالةُ أنّ القرآن لو كان من عندِ غيرِ اللهِ لوَجَدَ الناسُ اختلافا كثيرا بينه وبين ما يستقْبلونَه من الحوادثِ. لقد تضمن الكتاب المنزل "كلماتٍ من ربِّنا" هي وعْدٌ منه حسَنٌ سيتم نفاذُه في الآخرة، ومنه الكلمةُ القوْلُ الذي نَبَّأَ اللهُ به يوم أبَـى إبليسُ واستكبر أن يسجد لآدم مع الساجدين، أي هو الوعدُ الذي سيحِقُّ أي يقع على الكافرين فيكونون من أصحاب النار في جهنم خالدين كما في المثاني: ﴿قَالَ هَـَذا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[الحجر 43] ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾[الأعراف 18] ﴿قَالَ فَالْـحَقُّ وَالْـحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِـمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[ص 85] ويعني أنّ قوله تعالى ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِـمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ هو الكَلِمةُ أي الوعْدُ الذِي سَيَحِقُّ أي يتِمُّ نفاذه يوم القيامة كما في المثاني: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّـي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْـجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾[السجدة 13] ﴿وَتَـمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْـجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾[هود 119] ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾[غافر 6] ﴿وَسِيقَ الذِينَ كَفَرُوا إِلَـى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّـى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَـهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَـمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾[الزمر 71] ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِـي النَّارِ﴾[الزمر 19] ﴿قَالَ الذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾[القصص 63] وتضمّن القرآنُ "كلماتٍ من ربِّنا" هي وعْدٌ منه حسَنٌ سيتم نفاذُه قبلَ انقضاءِ الدنيا كما في المثاني: ﴿إِنَّ الذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّـى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾[يونس 96] ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[يونس 33] وتعنـي أنّ الآياتِ الخارقةَ للتخويف والقضاء إِذا جاءتْ في آخر أجَل الأُمَّة لن يؤْمِن بها الذين حقَّتْ عليهم "كلمة ربِّنَا" أي وعْدُهُ أن يملأ جهنَّم من الـجِنَّة والناسِ أجمعين. وإنَّ مِن "كلمات ربِّنا" أي وعْدُه الذي سيتمُّ نفاذه في الآخرة قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَـخْتَلِفُونَ﴾[يونس 19] ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾[فصلت 45] ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود 110] ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ إِلَـى أَجَلٍ مُسَمًّـى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [الشورى 14] ومن تأمّلَ حرف هود وفصلت والشورى وأول يونس علِمَ أن وَعْدا قد سبق من "ربِّنا" أن يؤخِّرَ القضاءَ بين المختلفين بعد إيتاء موسى التوراة إلى أجل مُسَمًّى، ولم تتضمن هـذه الأحرفُ تفصيلَ الوعْدِ الذي سبق من ربِّنا. ومن تفصيل الكتاب تِبيانُ تفصيل الوعد في المثاني: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِـي إِسْرَاءِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّـى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَـخْتَلِفُونَ﴾[يونس 93] ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِـي إِسْرَاءِيلَ الْكِتَابَ وَالْـحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَءَاتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَـخْتَلِفُونَ﴾[الجاثية 17] ومَن تدبَّرَ حرفَ الجاثية وثاني يونس علِم أن الكلمة التي سبقت من ربِّنا بعد اختلاف بني إسراءيل في التوراة هي وعْدُه في الكتاب أن يؤخر القضاء بين المختلِفِين في الكتاب المنزل إلى يوم القيامة كما هو مفصّل في قوله ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَـخْتَلِفُونَ﴾ في الجاثية وثاني يونس أي هي الكلمة التي سبقت من ربِّنا كما في فُصِّلَتْ والشورى وهود وأول يونس أي وعْدُه الذي سبق منه ولا يخلفُ اللهُ وعدَه. وكان من تفصيل الكتاب أنّ تِبيانَ الوعْد الذي تضمَّنه حرف الجاثية وثاني يونس لم يقترنْ بِقوله ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ﴾، وإنَّـما وردتْ حيث لـم يتنزلْ تِبيانُ الوعْد الذي سبق كما في حرف هود وفصلت والشورى وأول يونس. وسبقتْ ﴿كَلِمَةُ الْفَصْلِ﴾ أي وعْدُهُ بالقضاءِ بين الفريقيْنِ في أجَلٍ مسمًّى آخرِ الأمّة فتأخَّر العذابُ الماحق المستأصل عن المكذِّبين الذين عاصروا تنزُّل القرآن كما في قوله ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾[الشورى 21]، وتضمن القرآن "كلماتٍ من ربِّ العالمين" هي وعْدٌ حسَن منه في الدنيا، فـمِن الذِّكر مِن الأولين قوله تعالى: ﴿فَلَـمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُـحِقُّ اللهُ الْـحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾[يونس 81 ـ 82] ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَـى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْـحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾[الأعراف 117 ـ 118] ﴿وَتَـمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْـحُسْنَـى عَلَى بَنِـي إِسْرَاءِيلَ بِـمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ وَجَاوَزْنَا بِبَنِـي إِسْرَاءِيلَ الْبَحْرَ﴾[الأعراف 137] وصدَقَ اللهُ ربُّ العالمينَ وعْدَه رسولَه موسَى وتـمَّتْ كلمةُ ربِّنَا الـحُسنَـى على بني إسرائيل كالْمُفَصَّل في حرف الأعراف. ومِن المثاني معه وَعْدًا في الآخِرينَ بعد نزول القرآن: ﴿وَيَـمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُـحِقَّ الْـحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾[الشورى 24] ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُـحِقَّ الْـحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْـحَـقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال 7 ـ 8] ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْـحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾[الأنبياء 18] ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّـي يَقْذِفُ بِالْـحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قُلْ جَاءَ الْـحَقَّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾[سبأ 48 ـ 49] ﴿وَقُلْ جَاءَ الْـحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾[الإسراء 81] وكذلك سيصْدُقُ اللهُ ربُّ العالمين عَلَّامُ الغُيُوبِ رَسُولَه محمدًا صلّى الله عليه وسلّم وعْدَه أنْ يَقْذِفَ بالحقِّ على الباطِلِ فيُدْمَغُ فيَزْهَقُ مُباشَرةً، وإنَّـما ذلك يوم يجيءُ الرُّسُلُ بالحقِّ فيُبْطِلُ اللهُ الباطِلَ بِـمَحْوِه مَـحْوًا في الأثيرِ وفي الكُتُبِ، ويُـحِقُّ اللهُ الحقَّ بالتمكين له وظُهُورِهِ فِـي الأرض كما مكّن للحق مع موسَى، وإنّـما يتمُّ نفاذُ الوَعْدِ بكلمات الله لِعبادِه الْمُرسَلين لا لِلمؤمنين في فترةٍ مِن الرُّسُلِ وكذلك دلالة المثاني: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْـمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَـهُمُ الْـمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَـهُمُ الْغَالِبُونَ﴾[الصفات 171] ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّـى﴾[طــه 129] ﴿رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾[آل عمران 194] ذلك أنّ الرُسُل هم الذين يتلقّوْنَ الوحْيَ وهم من سيتمكّنون من توظيف الفواتح ومنها رُوحٌ مِن أَمْرِ رَبِّنَا كما في قوله ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾[الشورى 52]. ولقد وعَد ربُّ العالَمين رُسُلَهُ بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء أن ينصُرَهُمْ في الدنيا بتدمير المكذّبِين والتمكين للذين ءامنوا كما في المثاني: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّـى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَبَإِي الْمُرْسَلِينَ﴾[الأنعام 34] ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْـمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَـهُمُ الْـمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَـهُمُ الْغَالِبُونَ﴾[الصفات 171] ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَـحْزَنُونَ الذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَـهُمُ الْبُشْرَى فِـي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِـي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[يونس 64] إن الحديث النبوي الصحيح "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" ليعني هدايتَنا إلى الإيمان بكلمات اللهِ التّامّات أي النافِذات إذا وافقت الأجلَ الذي جعل اللهُ لها في الدنيا كالآخرة لِيحفظَنا ويعصمَنا من شر ما خلق ومنه فتنة الدجال وإغواء الشيطان، ومن العجَب غِيابُ دلالة الحديث النبويِّ عن متون الحديث والتفسير منذ عشرات القرون. وأما قوله ﴿فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾[البقرة 37] وقوله ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَـمَّهُنَّ قَالَ إِنِّـي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾[البقرة 124] فليستْ مِن هذا الباب لتجرُّدِها من الإضافة إلى اللهِ ربِّنَا، ولدلالتها على وَحْيٍ بِـخِطابٍ تلقّاهُ كل من ءادَمَ وإبراهيمَ مِن ربِّه. الحسن ولد ماديك
    1
    0 التعليقات 0 نشر
الصفحات المعززة